مهدي عقيل - خاصّ الأفضل نيوز
شهد يوم الاثنين الفائت، تطوُّرين رئيسيين، صدور قرار مجلس الأمن 2728، واستقالة وزير من حكومة الطوارئ (غدعون ساعر)، وقبله بقليل كان الداخل الإسرائيلي منشغلاً وما زال بقانون التجنيد العالق في الكنيست. من شأن هذه التطورات أن تحدث تأثيراً كبيراً على مسار الحرب القائمة على غزة منذ نصف سنة إلا قليل.
قانون التجنيد
قانون التجنيد مسألة عمرها من عمر الكيان تقريباً، بحيث أن طائفة المتدينين أو ما يُعرفون بطائفة الحريديم، يرفضون الخدمة في الجيش والأجهزة الأمنية، وشرط إعفائهم من هذه الخدمة سبق مجيئهم إلى "أرض الميعاد" في خمسينيات القرن الماضي، بناء لاتفاق بينهم وبين أول رئيس حكومة للكيان، ديفيد بن غوريون.
استمر الوضع على هذا النحو حتى بدأت تتمظهر أزمة هؤلاء في بداية الألفية الثالثة، لكن اليوم، وفي خضم الحرب على غزة وحاجة الجيش لتجنيد ما لا يقل عن 20 ألف جندي، بلغت أوجها، وأمست تشكل تهديداً جديًّا لحكومة اليمين المتطرف، واحتمال فرط عقدها وارد، خصوصاً بعد استقالة أحد وزرائها، غدعون ساعر، المعترض على عدم ضمّه إلى مجلس الحرب المصغر. إذ يهدد الوزير بيني غانتس بالاستقالة إذا ما أصرّ الكنيست على إصدار القانون المذكور مع الإبقاء على بند إعفاء الحريديم من الالتحاق بالجيش، كذلك وزير الدفاع غير موافق على هذا القانون، ويمكن أن يؤدي إقراره على ما هو عليه، إلى زيادة الشرخ بينه وبين رئيس حكومته بنيامين نتنياهو.
قرار مجلس الأمن 2728
يوم الاثنين الفائت، كان مجلس الأمن على موعد مع حدث استثنائي، تمثل بصدور قرار لا يصب في مصلحة إسرائيل، قرار 2728، دون أن تستخدم الولايات المتحدة، على جاري عادتها، حق النقض (الفيتو) وتعيق صدوره، بحيث سبق أن استخدمت ذلك "الحق" 42 مرة لصالح إسرائيل منها 15 مرة لحمايتها من الإدانة الأممية.
يطالب القرار بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، على أمل أن يؤدي إلى وقف مستدام للنار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين، وضمان وصول المساعدات الغذائية والاحتياجات الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، وأن يمتثل الطرفان لالتزاماتهما بموجب القانون الدولي في ما يتعلق بجميع الأشخاص الذين يحتجزونهم.
وبدون أدنى شك، لم تلتزم إسرائيل ببنود القرار كافة، وكأنه شيء لم يكن، وهذا ديدنها في تعاملها مع القرارات الدولية منذ نشأتها الأولى عام 1948، علماً أن كل القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن تعتبر ملزمة وفقا للمادة 25 من الفصل الخامس، والتي تنص على أن "يتعهد أعضاء "الأمم المتحدة" بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق"، بخلاف ما عملت على إشاعته بعض الجهات على أن القرار غير ملزم، لتتيح لإسرائيل التملص من الالتزام به.
مع الإشارة، لو نحن في واقع دولي فيه شيء من العدالة وعدم الانحياز وعدم الكيل بمكيالين، لا يحتاج قرار مجلس الأمن إلى أي قوة لتنفيذه. وفي حال عدم تنفيذه من أطراف الصراع، كما هو حاصل من جانب إسرائيل في الوقت الذي أبدت فيه حركة "حماس" الالتزام به، يجتمع مجلس الأمن مرة ثانية للمطالبة تحت البند السابع باستخدام القوة العسكرية لإلزام الأطراف بالتنفيذ. لكن يبقى ذلك أضغاث أحلام في ظل وقوف الولايات المتحدة على الأقل، خلف إسرائيل والاستماتة في الدفاع عنها. وحتى الفصل السادس الذي يفرض عقوبات اقتصادية غير وارد، لكن أهمية هذا القرار الذي سبقه قرار من محكمة العدل الدولية بضرورة فك الحصار عن غزة لناحية إدخال المواد الغذائية عبر المعابر البرية، تكمن في تشديد العزلة الدولية على الكيان العبري، من شأن ذلك إعاقة مسار الحرب على غزة، لا سيما لجهة إصرار نتنياهو على اجتياح رفح.
خلاصة القول، ومع أول تصرف عملي تقوم به واشنطن ضد تل أبيب (امتناعها عن استخدام "الفيتو" كما أسلفنا)، والوضع المتأزم داخل الكيان، بات في الإمكان التطلع إلى قرب توقف حمَّام الدم في غزة، وتجنب المنطقة حربًا واسعة كانت تلوح في الأفق.