طارق الترشيشي- خاصّ الأفضل نيوز
ويسألونك عن الرئيس، قل عن أي رئيس تتحدثون؟
عام 1982 اجتاحت إسرائيلُ لبنان ووصلت إلى بيروت وفرضت انتخاب قائد "القوات اللبنانية" بشير الجميل رئيساً للجمهورية بالقوة، وتم هذا الانتخاب في جلسة عقدها المجلس النيابي في مقر المدرسة الحربية في الفياضية حيث كانت الدبابات الإسرائيلية مطوقة كل جانب، لكن الرجل اغتيل لاحقاً قبل أن يتسلم سدة الرئاسة خلفاً للرئيس الراحل إلياس سركيس لأنه لم يكن رئيساً توافقياً إنما رئيساُ يمثل جهة واحدة أرادت الاستثمار في الاجتياح الإسرائيلي لمصلحة مشروعها السياسي.
واليوم "تطحش" الولايات المتحدة الأميركية لفرض انتخاب رئيس للجمهورية من كنفها تحت جحيم الاجتياح البري الإسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت وللجنوب والبقاع ومناطق أخرى متفرقة من لبنان, فيما الاجتياح البري يتوقف عند الحدود الجنوبية بفعل ضراوة المقاومة التي تصده.
الولايات المتحدة التي دعمت إسرائيل في اجتياح لبنان عام 1982 لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها المقاتلة من لبنان. تشاركت و إسرائيل في الاستثمار السياسي على الاجتياح للإتيان ببشير الجميل تمهيداً لعقد معاهدة سلام مع لبنان تجلت لاحقا باتفاق 7 أيار الذي فرضته في عهد الرئيس أمين الجميل والذي انتخب خلفاً لشقيقه بشير.
فهل يُراد اليوم تكرار ما حصل البارحة في أن تضغط واشنطن ومن خلفها إسرائيل للإتيان برئيس يطبع مع الإسرائيليين ويلحق لبنان بركب الدول التي طبعت حتى الآن والتي يتوقع أو ينتظر أن تطبع لاحقا إذا سحقت إسرائيل حزب الله؟
تلك هي الحقيقة التي تختفي خلف الاستماتة الأميركية على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في هذه العجالة وتحت جناح الاجتياح الجوي التدميري للبنان بذريعة إعادة النازحين الإسرائيليين إلى المستوطنات الشمالية في وقت تدرك واشنطن وتل أبيب أن هذه الكذبة المجبولة بالبعد الإنساني الذي يتعاطف معه الغرب لا تنطلي على أحد لأن أمن المستوطنين لا يتحقق بابتعاد المقاومة أو إبعادها من جنوب الليطاني إلى شماله إذ يكفي صاروخ واحد تطلقه المقاومة من شمال الليطاني أو من عمق البقاع أو من أي منطقة في لبنان حتى يمنع المستوطنين من العودة إلى مستوطناتهم.
ولذلك يقول المتابعون لسير الأحداث إن القضية تتجاوز مسألة إعادة مستوطنين إلى استهداف المقاومة وكل من تراه إسرائيل وداعموها الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون مهددا للأمن الإسرائيلي، بل وجود إسرائيل التي ما أراحت لبنان والمنطقة من عدوانيتها وحروبها منذ نشوء كيانها الغاصب لفلسطين منذ عام 1948. ويضيف هؤلاء إن الدبابات الإسرائيلية لن تصل إلى بيروت هذه المرة مثلما حصل في اجتياح لبنان عام 1982 لفرض انتخاب رئيس، مع العلم إن إرهاصات مشروع من هذا النوع بدأت تظهر من خلال إنذارات الإخلاء التي توججها إسرائيل لسكان جنوب الليطاني وشماله إلى شمال نهر الأولي وعدم النزوح جنوبا في اتجاه الحدود . فالخطة الإسرائيلية إن كتب لها أن تنجح ستكون القضم التدريجي للأراضي اللبنانية بحيث تبدأ بجنوب الليطاني ثم شماله ومن شمال الأولي إلى بيروت وبقية المناطق كما حصل عام 1982، ولكن الإسرائيليين إن وصلوا إلى بيروت فكيف لهم أن يفرضوا اجتماع مجلس نيابي بنصاب دستوري لفرض انتخاب الرئيس الذي يريدون؟ وهل إن انتخاب هذا الرئيس لو حصل سيحل الأزمة وينزلهم من الشجرة التي تسلقوها وباتوا يحتاجون لمساعدة من ينزلهم عنها؟
هم لا يريدون الرئيس إلا لهدف واحد هو عقد اتفاقات التطبيع لأن هذه الاتفاقات تفرض وجود رئيس يفاوض عليها، فحسب الدستور اللبناني صلاحية التفاوض لعقد المعاهدات الدولية مناطة برئيس الجمهورية حصرا، ولكنهم نسوا أن هذه الاتفاقات لا تصبح نافذة إلا إذا أبرمها مجلس النواب وصادق عليها وقبله مجلس الوزراء. ومثل هذا الأمر حصل في اتفاق 17 أيار حيث أقره مجلس النواب ولكن الرئيس أمين الجميل اضطر إلى التراجع عنه نتيجة الضغط الشعبي الإسلامي وضغط النظام السوري فضلا عن تيقن الجميل من أن ما ذهب إليه ليس بالأمر السهل عليه وعلى لبنان تحمله في وقت لم تكن هناك أي دولة عربية عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل إلا مصر موجب اتفاق كمب ديفيد عام 1978 الذي أراد الأميركيون والإسرائيليون منه أن تكون بقعة زيت تتفشى شيئا فشيئا لتشمل بقية الدول العربية ولكن الوضع العربي صمد في وجهه إلى حين توقيع اتفاقات أوسلو مطلع التسعينات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ليحصل لاحقا اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل وصولا إلى التطبيع الذي حصل بموجب "اتفاقات إبراهام" بين بعض دول الخليج العربي والمغرب العربي وهذه اتفاقات يخشى أن تستأنف لاحقا لتشمل دولا أخرى في حال عودة الرئيس الأميركي السابق ترامب إلى البيت الأبيض في حال فوزه في الانتخابات المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل.
وعلى الأرجح، وحسب المصادر المعنية، وعلى الرغم من قساوة الحرب وضراوتها ضد لبنان والمقاومة فإن المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي سيفشل مثلما حصل لاتفاق 17 ايار الذي أسقطته المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب إلى أن طردت من هناك عام 2000 بعد 18 عاما من النضال والجهاد في مقارعته.
في المختصر أن إسرائيل نتنياهو تخوض فعلا معركة وجود كما يردد هو شخصيا منذ عملية طوفان الأقصى وهي على وشك الاقتراب من نهاية العقد الثامن المسكونة بهاجس أنه سيحمل في ختامه نهايتها، ولذلك يحاول نتنياهو بحروبه أن يهرب إلى الأمام وإلى حيث يطمح لبناء "إسرائيل جديدة" تكون يهودية خالصة من النهر إلى البحر وتعيش 80 سنة جديدة ويطمح لأن يكون هو أول ملوكها بلا منازع. يقول المتابعون" فلننتظر قليلا لنر أيحترق الحبل الذي التف حول عنق نتنياهو أم الشمس تموت. فلقد قال أحد الشعراء اللبنانيين يوما "علقوا الشمس بحبل وشدوا لنرَ.
أيحترق الحبل أم الشمس تموت؟".