الياس المر- خاصّ الأفضل نيوز
لكل من يراقب الحراك الجيوسياسي في المنطقة كان له أن يتوقع عودة الحراك للجماعات المتطرفة المسلحة في سوريا التي لا زالت تسيطر على مساحات واسعة من شمال البلاد لا سيما في إدلب وريف حلب،
حراك يستند على العديد من الركائز والعوامل الداخلية المحلية، الإقليمية والدولية،
في العوامل المحلية، طول الفترة الزمنية للبقاء على "الوضع القائم" دون حسم الملف لناحية استكمال تحرير مناطق سيطرة الجماعات المسلحة، جعل منها مادة دسمة للمستثمرين في أزمات المنطقة وإمكانية إعادة تدوير الدور الوظيفي لهذه الجماعات وبث الدعم المادي والسياسي العلني والسرّي لتنفيذ أهداف في إطار تحسين الشروط والأوراق الاستراتيجية على طاولة المفاوضات السياسية وتوزيع الأدوار إبان دخول المرحلة الجديدة في البيت الأبيض.
فلكل من تركيا وقطر مصلحة في هذا الواقع للتعويض عن ما يعتبره البعض خسارة ورق حماس في غزّة وخصوصا أن المفاوضات السورية التركية لا تسير بالانسياب المطلوب، لإعادة رسم العلاقات الطبيعية فتعتبر تركيا أن إعادة مسكها لورقة الميدان وتعزيز نفوذها في الشمال السوري يعطيها هامش أوسع من الحراك والمفاوضات على الساحتين الإقليمية والدولية، لا سيما تجاه الموقف الأميركي من الملف الكردي واحتمال دعم الإدارة الجديدة للمنظمات الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية،
كذلك إسرائيل التي ترى في سوريا الهدف الأول بعد وقف النار مع لبنان وانحساره في غزة، لما ترى فيها من عامل أساسي وحاسم في إعادة بناء قدرات حزب الله، الهاجس الأكبر لإسرائيل، بعد فشلها في القضاء الكلي عليه، حيث كان أبرز أهدافها المعلنة، فترى إسرائيل أنه الوقت المناسب لإرباك الدولة السورية ومعها الحلفاء مثل ايران في الملف الأمني الداخلي بدلاً من تفرغهم لإعادة بناء القدرات وترميم أضرار الحرب الأخيرة على لبنان.
فيما ترى الولايات المتحدة أيضا، المقبلة على مفاوضات شاقة في الملف الروسي الأوكراني أن فتح الجبهة الداخلية في سوريا قد يجعل من اليد الروسية أن تكون أكثر ليونة في المفاوضات المقبلة، حيث ترغب إدارة ترامب للتوصل الى اتفاق ينهي الحرب مع أوكرانية ويحقق هدف واشنطن في وقف النزيف الاقتصادي الناتج عن الدعم والتمويل للحرب والحد من التماهي الأميركي الأوروبي بها، للتفرغ إلى عودة الضغوطات الأميركية على الاقتصاد الأوروبي، وذلك والأهم اعتماد ترامب على سياسة استمالة روسيا في معرض الحرب الباردة وغير الباردة مع الصين.
هل من دور للحلفاء بما يجري ؟
يضع بعض "المغالين" في مراقبة الواقع المعقد في سوريا الأحداث الأخيرة في معرض التنافس الروسي الإيراني، وغض النظر الإيراني عما يجري لإثبات أهمية استمرار دوره وحضوره في المشهد السوري ولعدم التفكير في احتمال الاستغناء عن هذا التدور أو التقليص منه احترازًا من الضغوطات والضربات الإسرائيلية على المواقع والمراكز الإيرانية في سوريا، ونزولا عند رغبة روسية مفترضة في إخراج إيران والتفرد في الساحة الروسية،
ويرى بعض "المغالين" من الطرف الآخر أن هذا التمادي والتراخي في التعامل مع الجماعات المسلحة في الشمال السوري يقع على عاتق الحليف الروسي الذي يراعي علاقاته وتحالفه الاستراتيجي مع التركي، ويضع التحرك في هذا التوقيت في خانة الضغط الروسي على الدولة السورية لتليين موقفها من تطبيع العلاقات مع تركيا، لما تمثله تركيا من مركز علاقات وثقل استراتيجي لروسيا لناحية علاقتها مع العالم الإسلامي وكممر استراتيجي للطاقة ونظرا لدورها البارز في الملف الأوكراني،
إلاّ أن الواقع قد يكون أسهل من ذلك، بحيث أن الاعتداءات والحروب الإسرائيلية والهجمات الإرهابية في المنطقة، نشاط متكافل ومتكامل بحيث تلجأ في كل مرّة إسرائيل الانتقال الى الخطة "ب" باستعمال الجماعات الإرهابية، بعد فشلها في الحروب المباشرة، وهذا ما قامت به بعد حرب تموز مباشرة، وهذا ما قامت به بعد فشل مخطط الربيع العربي، وبعد فشل الحرب على العراق، واليوم ترى في فشلها على القضاء على محور المقاومة الفرصة والتوقيت الذهبي لإشغاله في مواجهة الجماعات الإرهابية، والعين على دور مرتقب لحزب الله إذا ما كان سيشارك مباشرة في المواجهة كما في السابق أم أن الظروف الداخلية والدولية لن تسمح في ذلك خصوصا بعد كل ما تعرض له، وانشغاله بملفات ثقيلة منها العودة وإعادة الإعمار والبنيان، المادي والمعنوي السكني والقيادي،
وفيما كان لديه القرار والقدرة، ماذا عن اتفاق وقف النار الهجين المبرم حديثاً وما موقفه من تدخلٍ من هذا النوع في سوريا، هل سيُعتبر خروج لحزب الله عن الاتفاق أم أن سوريا تعد من مناطق "شمال الليطاني"؟!