عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
الزلزال الذي ضرب سوريا بانهيار النظام هناك ولجوء الرئيس بشار الأسد إلى روسيا وسيطرة قوى المعارضة على الدولة لا بد أن يكون له تأثيرات بالغة على لبنان.
أولى هذه التأثيرات جاءت متضاربة. فبينما قرّر فريق من اللبنانيين (بمن فيهم ساسة) الاحتفال على طريقتهم بـ"سقوط النظام"، لم يكن لدى هؤلاء أي تصور على سوريا الغد أو سوريا المقبلة أو طبيعة النظام الذي سوف يقوم هناك. والتعاطي بهذا الشكل السطحي مع حديث رئيسي لا يستوي مع وضعية البلاد السياسية، خاصة وأن سوريا تشكل حوالي 80% من الحدود البرية وهي النافذة الأولى، وإن أي نظام سوف يتشكل هناك له تأثير معين. وفي هذا الصدد، لا بد من إعادة التذكير بأنظمة قديمة قامت في سوريا وكيفية تصرفها مع لبنان كدولة، حيث اتخذته دائماً في موضع التأثير السلبي ومحاولة الهيمنة أو فرض المشيئة السياسية، وقد لا يختلف الأمر هذه المرة ربطاً بالقوى التي يقترح أن تستلم الحكم في سوريا.
ثاني التأثيرات وقعت على الفريق المؤيد لدمشق، الذي بدا مصدوماً من سرعة ما حصل، وصولاً لقول أحد رؤساء الأحزاب بأن ما يحصل في سوريا الآن "كبير وكبير جداً ويلامس سايكس بيكو جديد". ومع أن هذه القوى تعاملت بعقلانية شديدة مع تطورات الوضع السوري ولم تذهب إلى إصدار مواقف وبيانات سريعة، باتت تراقب باهتمام طبيعة الانتقالة السياسية في سوريا وسرعتها ونتائجها، لاسيما على هذه القوى تحديداً، وأي سوف يكون موقعها بالنسبة إلى الدولة الجديدة، وهل أن الدولة الجديدة في سوريا ستتعاطى الحياد مع المسائل الأساسية في المنطقة، ربطاً على ما يبدو بسياق من التفاهمات أدى لإنهاء وجود نظام الرئيس الأسد، أو أنه سيكون لها دور معين مختلف جذرياً عن الدور السوري السابق وسيكون جزءاً من العمق العربي الذي تمثله دول الخليج مثلاً؟
على أي حال، فإن مبالغة بعض القوى في استباق أي تطور سوري سياسي، قد يوقعها في شر أعمالها، على اعتبار أنه قد يكون البديل عن الرئيس السوري بشار الأسد أسوأ. ومع أن قوى المعارضة التي باتت تسيطر على المشهد السياسي السوري الآن قدمت ما يشبه الضمانات لاسيما إلى دول الجوار بأن لا يكون النظام انتقامياً بحق أي من الأطراف، لكن ذلك يبقى للأيام واختباراتها، لاسيما أن التجارب التاريخية في سوريا لا تضمن أي فريق أو بقاء أي فريق على التزاماته، بالإضافة إلى أن الحرب الحالية التي بدأت عام 2011، أظهرت تقلبات دورية ومستمرة في خريطة سيطرة القوى العسكرية على الأرض، وهو ما يحتمل حدوثه الآن، لاسيما وأن الأمور في سوريا لم تنته عسكرياً بعد، حيث أن هناك قوى ما تزال خارج المشهد السياسي، وهي قوى عسكرية مؤثرة، وهناك قوى أيضاً باتت تتمتع بثقل عسكري أكبر، بالقوى الكردية المنتشرة في شمال وشمال شرق سوريا المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي يبدو أنها باتت تنظر إلى الفريق المسيطر على دمشق بطريقة استدعاء، وهذا الأخير يقاسمها نفس النظرة تقريباً، مما يحتمل دخول سوريا في موجة صراع أو تقلبات طويلة المدى.
ما يهمنا في لبنان تحصين وضعنا السياسي الداخلي، لأن التحديات والتطورات لن تقف على حدود سوريا. وربطاً بنتائج الحرب التي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان طيلة شهرين، فإن الضرورات تقوم على إعادة تنظيم المشهد السياسي اللبناني، مع الاعتراف بأن تطورات المشهد السوري لا بد أن تشكل دافعاً قوياً للترتيبات الداخلية على رأسها انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل الدولة وصولاً لتسهيل شؤون استحقاق انتخابات 2026.