نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
لا هو بالعقل الإيديولوجي , ولا هو بالعقل الاستراتيجي، هكذا هو كما نزل من بطن أمه، دائماً يمشي في الاتجاه المعاكس للأشياء . وليم كريستول , أحد كبار منظري المحافظين الجدد , كتب أن أميركا أصبحت هكذا لأنها مضت في الاتجاه المعاكس للتاريخ . من يحكمها يفترض أن يمشي في الاتجاه المعاكس للقادة الآخرين؛ لهذا ينظر دونالد ترامب إلى الكرة الأرضية , لا كونها كرة النار , وإنما قالب الحلوى على الطاولة .
لا تتصوروا أن ثقافة الثريات أو ناطحات السحاب يمكن أن تنتج رجلاً مثل فريديريك هيغل أو مثل ابن حزم الأندلسي، عادة ما تترعرع الأدمغة في أكواخ الصفيح , أو على الأرصفة. هكذا قال ألبرت اينشتاين "لكأن أمي عثرت عليّ ملقياً على قارعة الطريق" , مع أنه ينتمي إلى عائلة ثرية , وصناعية .
دونالد ترامب هو نتاج عائلة تأرجحت بين تجارة الغانيات وتجارة العقارات . لا مجال للولوج إلى شخصيته من خلال عشقه للضوء فقط، لا بد من قراءة الكتب التي وضعها مثل "فن الصفقة"، و"فن البقاء في الأعلى"، و"فن البقاء على قيد الحياة" .
لم يتردد , ذات يوم في القول لأحد الكهنة "لقد عقدت صفقة مع السماء لأكون ملك العالم" !
لهذا يحاول أن يخنق التنين بيديه .
بالطبع لا يستطيع ترويع شي جين بينغ بالقاذفات النووية العملاقة , كما يفعل مع آية الله خامنيئي . هو يعلم أن نقاط الضعف لدى الصين هي نفسها نقاط القوة . من هنا نصحه وزير الدفاع في ولايته الأولى الجنرال جيمس ماتيس بمراقصة التنين الصيني , بدل مراقصة الدب الكوري الشمالي , كما فعل في لقائه مع كيم جونغ ـ أون . آنذاك وصف ترامب ماتيس بالكيس الفارغ , وأقاله من منصبه . يفترض بمن يكون إلى جانبه أن يحترف قرع الطبول . هذا ما يتقنه جون بولتون الذي عيّنه مستشاراً للأمن القومي , قبل أن يتخلى عنه لأن رائحته "تشبه رائحة الخنزير حين يخرج من الحظيرة".
جيريمي بن عامي , رئيس جماعة "جي ستريت" اليهودية المناوئة للوبي اليهودي (الايباك) , نقل عن مصادر في البيت الأبيض مدى كراهية ترامب لنتنياهو . لكن هذا الأخير شق الطريق أمام الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط بالدم , ودون أن يلطخ يديه . الاثنان نموذجان فرويديان , ويشبهان الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان . المكان الوحيد الذي يمكن أن يلتقيا فيه هو الجحيم . بن عامي حذر ترامب من أن نتنياهو يجره إلى تلك المنطقة التي غالباً ما تسقط فيها الأمبراطوريات , ويسقط فيه الأباطرة .
لكن المؤسسة اليهودية ترى في نتنياهو آخر ملوك التوراة . لم تعد إسرائيل تنتج ذلك النوع من القادة , مثل دافيد بن غوريون , وموشي دايان , ومناحيم بيغن , وآرييل شارون , كذلك اسحق رابين . هنا مشكلة إسرائيل التي قد تحترق بعد نتنياهو . هكذا قالت زوجته سارة التي تفاخر بكونها النسخة الشقراء عن غولدا مئير . تعليق يائير لابيد أنها لاتقود زوجها فقط , وإنما تقود الدولة أيضاً , إلى المحرقة ...
في الصحافة الأوروبية تشريح دقيق , وعميق , لشخصية دونالد ترامب . الرجل الذي يعلن أنه ضد الحروب في الشرق الأوسط , يزود الآن الدولة العبرية بأنواع من القنابل التي تشي بأن في رأسه , وفي رأس نتنياهو , هدفاً آخر غير إيران التي بدات المفاوضات معها , بانطلاقة وصفها الرئيس الأميركي بـ"الجيدة جداً" , ولكن ليلوح ثانية بإزالة الجمهورية الإسلامية من الوجود .
الطريف هنا أن ديبلوماسياً عربياً بارزا , يتابع عن كثب المساعي الديبلوماسية , كذلك تفاصيل المحادثات , يؤكد أن ترامب أبدى استعداده للقاء خامنئي حتى في طهران !
عالم النفس الكندي غابور ماتي , وهو أحد الناجين من الهولوكوست , سأل الرئيس الأميركي "ماذا إذا انفجر بنيامين نتنياهو بين يديك" . هذه المرة ليست الضفدعة التي تنفجر , كما في إحدى قصص لافونتين الخرافية . الثور هو الذي ينفجر . ملاحظاً مدى التأثير النفسي لضباط وطياري الاحتياط الذين طالبوا بوقف الحرب على غزة , على الضباط والطيارين الذين في الخدمة .
العلاقة السيكولوجية عميقة , ومتداخلة , من الجانبين , دون أن يتمكن رئيس هيئة الأركان الجنرال ايال زامير من احتواء هذا الوضع بعدما صرح بأنه لن يسمح بانتقال العدوى . كيف ؟ ماتي المشهور بدراساته في التحليل النفسي , يسخر من زامير الذي يسعى لمعالجة مسألة على ذلك المستوى من الحساسية باستخدام النبرة العسكرية .
المؤرخ بن موريس ابدى تخوفه من أن يؤدي أي تصدع داخل المؤسسة العسكرية , وهي العمود الفقري للدولة , إلى زعزعة الأسس التي قامت عليها الدولة . ولكن هل يحل المشكلة ابتعاد نتنياهو عن المسرح ؟ ترامب لا يستطيع الاستغناء عنه في الوقت الحاضر . صحيح أن أركان الائتلاف الآخرين لا يقلون عنه دموية لكنهم لا يمكن أن يكونوا ببراعته في اللعب على الحبال (غالباً ما تكون الحبال الرفيعة) , إن على الخشبة السياسية , أو في تركيب الحكومات على شكل كوكتيل عجيب من "المصابين بأمراض نفسية مزمنة" . كما كتب جدعون ليفي الذي لاحظ أنه يتصرف على المسرح كما يتصرف السحرة .
على الطريقة الديغولية , ولكن مع الفارق الأخلاقي , والفلسفي , والتاريخي , بين الاثنين , يقول نتنياهو "أنا إسرائيل وإسرائيل أنا" . إن سقط الرجل سقطت الدولة" . بالرغم من الجبروت العسكري . سياسياً إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت !!