محمد علوش - خاص الأفضل نيوز
في ميزان الحسابات الإسرائيلية، الحرب تهدف لتحقيق السلام بحسب نظرتها له، فالحرب على لبنان كانت جزءاً من حرب المنطقة وغايتها استسلام لبنان لسيطرتها دون أن تدفع ثمن الاحتلال أو تتحمل كلفة مواجهة طويلة الأمد. واليوم تعود مسألة التفاوض مع لبنان إلى الواجهة، ولكن هل تريد إسرائيل فعلاً التفاوض، أم أنها تسعى إلى فرض شروط المنتصر تحت غطاء تفاوضي؟
بحسب مصادر مطّلعة، فإن الهدف الإسرائيلي المعلن يتلخص في نزع سلاح حزب الله، وضبط الحدود بشكل نهائي، وتحويل الجنوب اللبناني من الحدود إلى عمق 5 أو 7 كيلومترات إلى منطقة عازلة، ضمن اتفاق أمني سياسي يقرّه المجلس النيابي، أي تخطي القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار وحتى هدنة عام 1949.
هذا يعني أن إسرائيل لا تُريد التفاوض، بل الفرض، وفارق كبير بين الأمرين، فهي تُريد اتفاقاً يلغي قدرة لبنان والمقاومة فيه على التأثير في المعادلات الإسرائيلية، ما يعني أن ما تسميه أميركا تفاوضاً هو في الواقع محاولة لتثبيت نتائج سياسية وأمنية لم تتمكن من تحقيقها بالكامل بالحرب.
إسرائيل تدرك أن الحرب على لبنان ليست خيارًا مضمونًا، لأن أي مواجهة شاملة ستعرّض جبهتها الداخلية لهجمات جديدة بغض النظر عن حجمها، وقد تؤدي إلى خسائر مادية ومعنوية يصعب تحمّلها سياسياً في هذه المرحلة الدقيقة. ولكن في المقابل، فإن التفاوض من موقع القوة قد يمنحها المكاسب نفسها دون تكاليف الحرب، لذلك عملت أميركا نيابةً عن إسرائيل على خلق واقع ميداني وضغوط متراكمة تجعل من التفاوض خياراً لبنانياً اضطرارياً، وهي لا تزال تحاول ذلك من خلال طرح فكرة "الفرصة الأخيرة".
في حال انتقلت الأمور إلى طاولة مفاوضات فعلية، فإن إسرائيل لن تذهب إليها لإبرام اتفاق متكافئ، بل لتثبيت معادلات سياسية وأمنية جديدة تحت عنوان "الاستقرار". فهي تريد، بحسب المصادر، اتفاقاً أمنياً موسعاً يتجاوز خط الهدنة القديم، وترتيبات مراقبة دولية تتيح لإسرائيل الاطمئنان إلى أن قدرات حزب الله لن تعود إلى الجنوب، وتفاهمات سياسية مباشرة وغير مباشرة تجعل من الحكومة اللبنانية شريكاً في نزع سلاح المقاومة تحت شعار "سيادة الدولة"، وربط ملف الترسيم الحدودي بترتيبات أمنية طويلة الأمد، أي أن المطلوب تحويل لبنان إلى منطقة استقرار تحت الرقابة الدولية والإسرائيلية المباشرة.
حتى اليوم، ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن الدخول في مفاوضات مباشرة قد يكون محفوفاً بالمخاطر، فمجرد الجلوس على الطاولة قد يُظهر أن الردع الإسرائيلي لم يحقق غايته، وأن تل أبيب مضطرة للتعامل مع لبنان كطرف وليس كتابع خاسر للحرب. لذلك يفضل أصحاب هذا الرأي عدم الدخول في تفاوض اليوم، لأنه سيفضي حتماً إلى تنازلات، وبالتالي الأفضل استمرار التصعيد للضغط على السلاح والحكومة من أجل الحصول على توقيع الاستسلام، لا طلب التفاوض وفرض الشروط كما تحاول الدولة اللبنانية القيام به اليوم.
رغم وضوح الأهداف، تواجه إسرائيل مأزقاً في سلوكها تجاه لبنان، فهي من جهة تريد إنهاء تهديد حزب الله عبر ضغوط سياسية وعسكرية متدرجة، ومن جهة أخرى تدرك أن أي ضغط مفرط قد لا يؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الأهداف، لذلك نرى اليوم، بحسب المصادر، مواقف متباينة داخل الإدارة الأميركية تعكس أيضاً مواقف إسرائيلية متباينة حول كيفية التعامل مع الملف اللبناني. ولكن الجديد اليوم هو تقدم المواقف الداعية إلى التصعيد ولو المتدرج، على حساب الذين ينادون بالمسار السياسي، أما من سيتمكن من تثبيت رؤيته للمرحلة المقبلة، فهذا بحاجة إلى انتظار.

alafdal-news
