د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
لا شك أن لمصر العروبة دوراً ريادياً على الصعد العربية والإقليمية وحتى الدولية، ومن الملاحظ أن مصر لعبت وبجدارة الدور الريادي لتحافظ على الهوية العربية الإسلامية تارة، أو الهوية الإفريقية تارةً أخرى، وانطلاقاً من مقولة "إن مصر تمرض ولا تموت"، فإن تلك الريادة كانت تمر بفترات من الضعف، ففي الأوقات التي تكون فيها مصر في قمة الريادة الإقليمية، تمر بأحداث تعيدها إلى نقطة البداية، ولكن سرعان ما تستعيد قوتها لتحول العثرات التي تمربها إلى ريادة من جديد، ومنذ عام 1952، تأكدت الريادة الإقليمية لمصر، من خلال الوحدة العربية مع سوريا، وتدعيم الثورات الاستقلالية في العديد من الدول العربية والإفريقية، ومساندة الكثير من الحروب الداعمة للاستقلال.
كذلك لا يخفى على أحد الدور المحوري الذي لعبته مصر في استعادة العديد من الدول العربية والإفريقية استقلالها خلال تلك الحقبة الزمنية، واعتمادها بذكاء على القوة الناعمة المصرية، والمتمثلة في الإعلام والفن، والثقافة، والتعليم، وجهاز المخابرات العامة المصرية، فتحولت مصر إلى قبلة لكل قادة حركات التحرر الوطني، ومنبر للعروبة ومناهضة القوى الإستعمارية، ففي عام 1960، وعقب الحرب الطاحنة التي خاضها شعب الكونغو ضد الاحتلال البلجيكي المدعوم من الغرب، قامت مصر بدعم حركة التحرر فى الكونغو عسكرياً وسياسياً.
وفي السنوات الأخيرة، لعبت مصر دوراً كبيراً على أكثر من صعيد وخصوصاً ما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، إلى جانب ما جرى ويجري في ليبيا والسودان.
وكان واضحاً الدور المصري في اتفاق وقف حرب الإبادة والتجويع في غزة مؤخراً، وبالتالي فإن زيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى لبنان ولقاءه المسؤولين تؤكد أيضاً على هذا الدور، سيما وإنها تأتي بعد تجربة غزة بين إسرائيل وحركة حماس، ويمكن الاستفادة من هذه التجربة لتحقيق خرق ما بين إسرائيل ولبنان، وفي شكل أوضح حزب الله، انطلاقاً من موقع مصر في التوازنات العربية والإقليمية.
فزيارة رشاد للبنان هي الأولى لمسؤول أمني مصري بارز من العيار الثقيل ومعه فريق من كبار الضباط الأمنيين برتبة لواء منذ فترة طويلة، كما أن العارفين والمطلعين وبعض الدبلوماسيين، يصفون هذا النوع من الزيارات بأنه، يعني أن الموفد الأمني المصري يُكلَّف، كما هو معروف عنه، بمهام سياسية وأمنية فوق العادة، وبطلب مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان شارك بشكل فاعل في المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل التي أدت لوضع آلية لإنهاء الحرب في غزة.
كما أن رشاد زار تل أبيب قبل زيارة بيروت واجتمع برئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وهو يتواصل بشكل دائم مع المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف الذي شارك في المفاوضات التي استضافتها القاهرة، وتنقّل أيضاً ما بين قطر وإسرائيل لتذليل المعوقات التي مهدت للتوافق على إنهاء الحرب.
فهل تنجح مصر في اختراق المشهد على المحور اللبناني -الإسرائيلي ؟ وهل يُمكن استنساخ اتّفاق غزّة في بيروت؟
ما هو متوفر من معلومات، يُشير إلى أن القاهرة لم تقطع يوماً اتّصالاتها ولقاءاتها مع حزب الله، وحافظت عبر موفديها على التنسيق معه، وتحديداً بعد الحرب، والقاهرة تدعم مقاربة الرئيس عون لمعالجة إشكاليّة السلاح تحت عنوان "التوافق الداخليّ" وعدم تفجير الساحة الداخليّة وتحويلها إلى صراعات أهليّة، وتتفهّم موقف الحزب وخصوصيّة النظام الطائفيّ اللبنانيّ وهواجس الطائفة الشيعيّة.
كما إن مصر متفهّمة لخصوصيّة الموقف اللبنانيّ وتعقيدات المشهد الطائفيّ والسياسيّ فيه، بما في ذلك الدور الشيعيّ في المعادلة الوطنيّة والإقليميّة، لكنّها ترى أنّ الوقت حان لخروج لبنان من حالة المراوحة ووضع مطالبه الوطنيّة على طاولة عربيّة – دوليّة مشتركة، بعيداً عن ربطها بالمفاوضات الإيرانيّة – الأميركيّة أو انتظار نتائجها.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن موقف مصر من السلاح ينطلق من خلفيّة مختلفة عن المقاربة الدوليّة؛ لأنّ مصر ترى وجود فارق جوهريّ بين مسألة نزع السلاح وبين تحديد دوره ونوعه، لأنها تعتبر أنّ سلاح المقاومة في المبدأ هو سلاح دفاعيّ لا هجوميّ، ويأتي ضمن الأعراف الإقليميّة التي تميّز بين المقاومة المشروعة والعمل الهجوميّ، خصوصاً في ظلّ تراجع المحور الإيرانيّ وانحسار خطاب الممانعة.
وتتحدث بعض المصادر الدبلوماسيّة عن أنّ الجانب المصريّ لا يرى إيران مستبعَدة أو بعيدة عن مشهد التسويات المقبلة، بل يمكنها أن تلعب أدواراً إيجابيّة إذا أرادت أو استجابت للمنطق الجديد الذي يقوم على تبريد النزاعات وتبادل الضمانات الإقليميّة، سيما وأن البديل عن الحراك السياسيّ الجاري ليس بالضرورة حرباً واسعة، بل قد يكون تسخيناً أمنيّاً متدرّجاً على بعض الجبهات، بهدف الضغط المتبادل وإعادة رسم خطوط التوازن قبل تثبيت صيغة الترتيبات النهائيّة في الإقليم.
وعطفاً على كل ما تقدم، لا بد من استعادة مصر لدورها العربي والإقليمي والدولي الفعال والحاسم.

alafdal-news
