محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
اللقاء الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في المصيلح تحت عنوان "اللقاء التنسيقي الأول نحو إعادة الإعمار"، بدا كأنه محاولة لكسر الجمود الذي يغلّف هذا الملف منذ أشهر. حضر كثير من الوجوه هذا اللقاء، وزراء، نواب، ممثلون عن الأمم المتحدة والبنك الدولي واليونيفل، ومجالس الدولة المختلفة، لكن ما لم يُقل في القاعة كان أهم مما قيل.
بحسب مصادر سياسية متابعة فإن ملف إعادة الإعمار اليوم ليس تقنياً ولا إنمائياً وحسب، بقدر ما هو سياسي بامتياز، ثمّة ثلاثة مفاتيح تحكمه، الأول في تل أبيب، والثاني في العواصم الغربية، والثالث في بيروت.
يمنع الاحتلال الإسرائيلي عملياً أي بدء حقيقي بالإعمار، ليس في القرى الحدودية وحدها بل في كامل الجنوب المحاذي لخط النار، لأن "الإعمار" في حساباته يعني "تثبيت السكان" وعودة الحياة الطبيعية، وهو ما تراه تل أبيب خطوة معاكسة لاستراتيجيتها بالتهجير والضغط المستمر بغية الحصول على تنازلات لبنانية ضخمة، ولا شكّ أن العدو مارس هذا المنع من خلال الاعتداءات التي قام بها على هذا الملف بالتحديد، وضرب كل ما له علاقة بوسائل إعادة الإعمار.
أما القرار الدولي، فهو أكثر مكراً، المانحون يربطون أي تمويل أو مساعدة بتنازلات سياسية واضحة تبدأ بالدخول في مفاوضات جديدة ومباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ضبط الحدود، وربما الذهاب أبعد نحو طرح مسألة السلاح وضرورة التخلي عنه بشكل كامل، لذلك تُجمَّد الأموال والمؤتمرات تحت عنوان "الدراسة والتقييم"، بينما تُستخدم كأوراق ضغط في التوقيت المناسب.
في الداخل، لا تبدو الحكومة اللبنانية أقل عجزاً. القرارات البسيطة التي يمكن أن تُنفذ من دون موافقة الخارج تبقى عالقة في دهاليز الخلافات السياسية، وتُشير المصادر عبر "الأفضل" إلى أن المطلوب من الحكومة أكثر بكثير مما تقوم به، فهي تربط المبادرة بالقرارات الخارجية، وكأنها تشارك بالضغط على اللبنانيين، كاشفة عن وجود أموال مرصودة لإصلاح البنى التحتية في الوزارات، لكنّها لا تُصرف، وهناك مبانٍ مهدّمة في الضاحية والجنوب يمكن ترميمها جزئياً على الأقل، لكن "القرار" مفقود، معتبرة أن هدف الرئيس نبيه بري من هذا اللقاء هو تحريك المياه الراكدة بالنسبة للقرار الداخلي حيث بإمكان الحكومة أن تهتم أكثر وتُقدم على تجزئة ملف إعادة الإعمار والعمل بما تيسر من مال، وبالمكان الذي يمكن لها العمل فيه.
اللافت في اللقاء بحسب المصادر أنّه خلا من أي مكوّن وزاري غير شيعي، وكأنّ إعادة الإعمار تحوّلت فجأة من قضية وطنية جامعة إلى ملف مذهبي محصور، مشيرة إلى أن الغياب ليس صدفة، بل موقف سياسي مقصود، فبعض القوى فضّلت الامتناع عن المشاركة خشية أن يُحسب عليها أنها "تتماهى" مع خطّ سياسي ينتمي للمقاومة، وآخرون امتنعوا لأنهم لا يريدون إغضاب الجهات المانحة التي تربط المساعدة بالشروط، كاشفة أن بعض الجهات التي وجهت إليها الدعوات اعتذرت عن المشاركة في الساعات الأخيرة بعد أن كانت أبدت موافقة مبدئية على الحضور.
ترى المصادر أن الرئيس بري أراد القول إن الجمود الداخلي ليس قدراً، وإن الدولة ولو بحدّها الأدنى تستطيع أن تبدأ من حيث يمكنها، سواء من القرار المحلي، من الإجراءات الإدارية، من إطلاق ورشة صغيرة تعيد الثقة بأن هناك دولة مهتمة بوضع شعبها، فالإعمار، في نهاية المطاف، ليس فقط إعادة بناء الحجر، بل استعادة الثقة بالدولة ووجودها.

alafdal-news
