نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
من أبرز ما يخشى منه في لبنان، إذا ما استمرّ الجمود السياسي والاقتصادي والأمني على حاله، أن تنزلق البلاد نحو مرحلةٍ من العوز الحقيقي، حيث يصبح الجوع والعطش واقعاً ملموساً لا مجرّد استعارة لغوية. فمظاهر الأزمة لم تعد محصورة في تدهور المؤشرات المالية أو تقلّص فرص العمل، بل باتت تطال جوهر الكيان الاجتماعي، مهدّدةً مقوّمات الصمود والعيش الكريم.
لقد أرهق الانسداد السياسي مؤسسات الدولة، وأفرغ الخطاب العام من مضامينه الإصلاحية، فيما يتكفّل الانهيار الاقتصادي بتقويض ما تبقّى من توازنٍ اجتماعي هشّ، وفي ظلّ هذا المشهد القاتم، تتقدّم الهواجس الوجودية على سواها: هل لا يزال في مقدور لبنان أن يستعيد نبضه قبل أن يُختزل صراخه في مطلب رغيفٍ وماء؟
ومن هنا، تبرز تساؤلات جوهرية تفرض نفسها في قلب المشهد اللبناني الراهن:
كيف ينعكس الجمود السياسي والاقتصادي على استقرار الأمنين الغذائي والاجتماعي، في ظلّ تراجع اليد العاملة المحلية واعتماد القطاعات الحيوية، ولا سيّما قطاع الأفران والمخابز، على العمالة الأجنبية؟
وإلى أي حدّ تستطيع الدولة أن تحافظ على هذا التوازن الدقيق بين الحاجة إلى استمرار الإنتاج وضمان العدالة في سوق العمل، وبين حماية الأمن الغذائي وصون الاستقرار الاجتماعي في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتضيق فيه هوامش الحلول؟
الجمود السياسي والحصار المالي
من هذا المنطلق، يقول رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان، النقيب ناصر سرور لـ"الأفضل نيوز"، إن "الجمود السياسي قائم منذ عام 2019 حتى اليوم، وبعد توقّف لبنان عن دفع مستحقات "اليوروبوند"، فُرض عليه نوع من الحصار غير المعلن، إذ تمّ ربطه ببنك واحد فقط للمراسلات المالية، أي لعمليات البيع والشراء، ورغم عدم وجود عقوبات رسمية، إلا أنّ هذا الوضع يشكّل شكلاً من أشكال الحصار".
ويتابع: "استمرار الجمود السياسي قد يقودنا في بعض الحالات إلى طريق مسدود، خصوصاً إذا وصلنا إلى مرحلة من الاصطدام الكامل مع الحلول الإقليمية، ما قد يضع لبنان في نهاية المطاف على اللائحة السوداء".
أزمة القمح تلوح في الأفق
وفي سياق متصل، يعتبر سرور أن "الأفران، من القطاعات التي تتأثر بشكل مباشر بالأزمة، فمن المفترض أن تكون لدينا إهراءات لتخزين القمح، وهو مطلب طالبت به جميع الحكومات المتعاقبة، لأن وجود الإهراءات يتيح للبنان شراء القمح وتخزينه لمدة عام كامل وبأسعار منخفضة، لكن في ظل هذا الجمود السياسي، وإذا ما تجددت الحرب بين روسيا وأوروبا، فسنواجه مشكلة حقيقية في استيراد القمح وتأمين حاجات السوق المحلية".
ويضيف: "التقصير في بناء الإهراءات في لبنان يُعدّ جريمة موصوفة بحق الشعب اللبناني، إذ لا يوجد بلد في العالم يخلو من مخازن لتخزين الحبوب والقمح، ومع ذلك، ما زالت الحكومة في لبنان منشغلة بملفات ثانوية وغير مجدية، فيما تُهمل هذا الملف الحيوي والأساسي للأمن الغذائي".
أزمة العمال في قطاع الأفران
فيما يتعلق بعزوف اليد العاملة عن العمل في قطاع المخابز والأفران، يرى سرور أن "اللبنانيين بطبيعتهم يميلون إلى السفر، إذ إن قيمة الرواتب في لبنان لا تكفي لتأمين مستقبل كريم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، وهو عامل أساسي في هذا التراجع، إضافة إلى ذلك، ليس جميع اللبنانيين يمتلكون خبرة في مجال إنتاج الخبز، ومن يملك هذه الخبرة يشكّل فئة قليلة. كما أن قساوة العمل في الأفران، ولا سيما إنتاج الخبز خلال ساعات الليل، تُعد من الأسباب التي تدفع اللبنانيين إلى العزوف عن هذا القطاع".
ثبات القطاع رغم الأزمات!
من جهة أخرى، يشدّد سرور على أن "قطاع الأفران والمخابز يعتبر من القطاعات التي تعتمد بشكل أساسي على القطاع الخاص، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقطاع المطاحن، إذ إن الأخير هو الذي يستورد القمح ويخزّنه، وبالتالي فإن عمليات البيع والشراء تبقى مرتبطة بالأفراد أكثر مما هي مرتبطة بالدولة، وبالتالي، تقوم وزارة الاقتصاد بدورها الرقابي والإشرافي، لكن في ما يخص إمكانية انهيار هذا القطاع، يمكن القول إنه لا ينهار فعلياً. حتى خلال الحرب اللبنانية الأخيرة، استمر العمل في الأفران في الجنوب والبقاع".
ويختم: "الانهيار في هذا القطاع يبقى شكلياً فقط، طالما أن المواد الأساسية اللازمة للإنتاج متوافرة. ورغم تأثر القطاع بانهيار الدولة، إلا أنه لا يتوقف عن العمل، إذ لم نصل في أي مرحلة، منذ الحرب الأهلية حتى اليوم، إلى إقفال شامل للأفران".

alafdal-news



