طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
أول عبور السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى (اللبناني الأصل والمتخلي عن جنسيته اللبنانية)، كان في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، دعا فيها الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ ما وصفه "القرار التاريخي" المتعلّق بنزع سلاح "حزب الله" والتنظيمات المسلحة الأخرى، معتبراً أنّ "هذه الخطوة تشكّل المدخل الأساسي لاستعادة الدولة اللبنانية سلطتها الشرعية"، ومعتبرا أيضا أنّ نزع سلاح الحزب "سيعيد إلى اللبنانيين دولتهم، ويؤمّن مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ واشنطن "تواصل اتصالاتها مع الحكومة اللبنانية، وتحضها على المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقات ذات الصلة"، ومشددا على أنّ الولايات المتحدة "ملتزمة بدعم أي مسار يعيد سلطة الدولة اللبنانية ويحفظ استقرارها".
لم يأت عيسى على ذكر مطالبة لبنان المحقة لواشنطن رئيسة لجنة الميكانيزم وراعية اتفاق 28 تشرين الثاني2024 بالزام حليفتها إسرائيل بالتزام هذا الاتفاق والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها فيما لبنان التزمه واتخذ كل الإجراءات المطلوبة منه في جنوب الليطاني تنفيذا للقرار الدولي 1701، بل على العكس قال للصحيفة الإسرائيلية إنّ إسرائيل "لا تحتاج إلى إذن من واشنطن للدفاع عن نفسها". فكأن السفير الأميركي يقول إن لبنان هو المعتدي وإن إسرائيل "حمامة سلام" وهي "المعتدَى" عليها دوما و"لها الحق" في الدفاع عن نفسها.
تقول مصادر ديبلوماسية إن السفير الأميركي يتجاوز أصول العمل الديبلوماسي في هذا الكلام ويتدخل في الشأن الداخلي اللبناني كغيره من السفراء الأميركيين الذين سبقوه، فالولايات المتحدة تلوم كثيرا من الدول على تدخلها في شأن لبنان وغيره ولا تلوم نفسها، وعندما تفاتح في تدخلها تنكره فيما هو واضح للعيان ولا يحتاج إلى إثبات، فالقاصي والداني يعرف كيف أنها "رعت" قيام السلطة اللبنانية الجديدة بعد فراع رئاسي دام أكثر من سنتين، ويعرف كيف أنها تخوض الحروب جنبا إلى جنب مع إسرائيل من فلسطين ولبنان وصولا إلى إيران تحت شعار إقامة شرق أوسط جديد. كل ما تقوم به الولايات المتحدة في لبنان والمنطقة معروف وليس بحاجة إلى إثبات.
وترى هذه المصادر أن باكورة موقف السفير الأميركي لا تبعث على توقع حلول قريبة في لبنان على الأقل، خصوصا وأن الإدارة الأميركية بدأت تسرب عبر مصادر مختلفة أن مهلتها للسلطة اللبنانية لكي تنزع سلاح حزب الله تنتهي في نهاية السنة أي في نهاية كانون الأول، وأنه لن يكون هناك أي مهلة جديدة، ما يعني أن الشهر الأخير من السنة سيكون حافلا بالاتصالات والمواقف والتحركات التي ستفتتحها الموفدة مورغن أورتاغوس التي يتصل غداة مغادرة البابا لاوون الرابع لبنان الذي يبدو أن المفعول المعنوي لزيارته ستنتهي صلاحيته بمجرد انتهائها، خصوصا و أن "فروة" الفاتيكان ليست ثمينة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب البروتستانتي، والجميع يعرف أن البروتستانت لا يعترفون دينيا ببابوية الفاتكان ويعتبرونها "بدعة" على الرغم أن البابا لاوون هو أول كاردينال أميركي يتولى البابوية الفاتيكانية، ولا هي ثمينة لدى إسرائيل الناقمة على الفاتيكان بسبب مواقفه المعارضة لكل ما ترتكبه من مجازر وتدمير وتدنيس في فلسطين المتحلة، ولعل ما يزيدها نقمة أن البابا لم يشملها في جولته إلى جانب تركيا ولبنان وقد لا تتورع عن القيام ببعض الاعتداءات على لبنان أثناء وجوده فيه.
وتعتقد المصادر الديبلوماسية أن التهديد الإسرائيلي بالحرب والمشفوع بالضغوط الأميركية على السلطة اللبنانية لتنفيذ قرار نزع السلاح في ملهة أقصاها نهاية السنة، إنما الغاية الأميركية والإسرائيلية منها هي أحداث نزاع داخلي لبناني لإجبار حزب الله على التخلي عن سلاحه تجنبا لدخول البلاد في حرب أهلية، لكن السلطة والحزب يدركان الغاية من هذه التهديدات والضغوط، ولذلك أبدى الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أخيرا الاستعداد للبحث في مصير السلاح ضمن استراتيجة الأمن الوطني بعيدا من أي ضغوط أو تهديد خارجي، فاصلا بين هذا الأمر وبين الرد على الاعتداءات وعمليات الاغتيال التي تمارسها إسرائيل ضد قادة المقاومة والذين كان آخرهم هيثم الطبطبائي، حيث إن المقاومة سترد على هذا الاغتيال من دون أن يحدد المكان والزمان.
وثمة من قال إن تسلل قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام إلى بلدة "بيت جن" السورية وتصدي أبناء البلدة لها، سيجعل الإسرائيلي يراجع حساباته لأن استمراره في استباحة الأراضي السورية لن يسكت عنها السوريون الذين بدأوا يستعيدون المبادرة أيا كان موقف القيادة السورية الجديدة، وقد يكونون على أبواب إطلاق مقاومة لتحرير الأراضي السورية المحتلة سواء كانت الجولان أو الأراضي التي احتلت إثر سقوط النظام السابق ومنها قمة جبل الشيخ وجعلت قوات الاحتلال الإسرائيلي على مسافة عشرات الكيلومترات من دمشق، ما يدفع البعض إلى القول إن سوريا التي لطالما كانت قلب العروبة النابض بدأت تستعد لتعود سيرتها الأولى.

alafdal-news
