ميساء عطوي - خاصّ الأفضل نيوز
لم يعد اللبنانيون يشترون فاكهة الجنارك لتعزيز صحتهم فقط، بل أصبحت هذه الفاكهة تُعتبر الآن تحدٍ ثانٍ يضاف إلى قائمة تحدياتهم اليومية. فقد أصبحت أسعارها ترتفع بمقدار يفوق سرعة ارتفاع ضغط الدم لدى معظم المواطنين. وبينما يحاول البعض الحفاظ على توازنهم الصحي من خلال تناول الفاكهة، يجدون أنفسهم الآن أمام تحدٍ جديدٍ ألا وهو .. تحدي ارتفاع أسعارها!
وفي زمن يبدو أن الذهب أصبح رخيصًا مقارنة بأسعار فاكهة الجنارك في لبنان، نجد أنفسنا نقف أمام تحول جديد.. كيف ندخر المال لشراء هذه الفاكهة الثمينة؟ فلم يعد الأمر مجرد عملية شراء فحسب بل أصبحت استثمارًا في المستقبل، حيث نتحدى الواقع المرير لنجد طرقًا لادخار الأموال لشراءها، وكأننا نتعامل مع الأصول الثمينة في سوق الأوراق المالية. ومع تحوّل فاكهة الجنارك إلى عملة صعبة، فإن مهمتنا الآن هي البحث عن استراتيجيات جديدة، ربما تخزينها في خزنة المنزل أو إنشاء نظام جديد لتداولها في السوق السوداء، فلعل الطرق السائدة في الاقتصاد لم تعد كافية لمواجهة هذا التحدي الجديد واللذيذ.
من هذا المنطلق يظهر أن غلاء سعر فاكهة الجنارك أصبح "حديث الساعة" في لبنان، ولا يبدو أن هناك شيئاً يفصل بين سوق الجنارك في لبنان وبين جلسة تداول في البورصة، فكلاهما يشهدان ارتفاعات وانخفاضات يجعل اللبنانيين يدورون حولهما في محاولة لاستيعاب الوضع المالي المتقلب، لكن هل يجدر بنا أن نصدق هذا السيناريو؟
بين البورصة والبقّالة.. دراما غير متوقعة في لبنان
يُبين أحد أصحاب محلات الخضار مصطفى بيضون، في تصريح لموقع "الأفضل نيوز" أن سبب ارتفاع أسعار الجنارك لأكثر من 50 دولار للكيلو الواحد، يعود إلى تصديرها المتزايد إلى الخارج، وعدم وجود رقابة فعالة من وزارة الاقتصاد لتحديد الأسعار الرسمية، مما يُؤدي إلى تذبذبها بين المحلات. مشيرًا إلى أن هذا الوضع يعكس غياب الرقابة الحكومية ويترك المجال لكل بائع بيع الجنارك بسعر يراه مناسبًا، ما يؤثر سلبًا على السوق ويُفاقم من ارتفاع الأسعار. ويتطرق إلى أن الطلب على الجنارك من الخارج يُسهم في رفع سعرها في السوق المحلية، حيث يُباع بنفس السعر أو أعلى بقليل للأسواق الخارجية.
من جهة أخرى، يلقي ف. ع، صاحب محل خضروات في بيروت، الضوء على جانب آخر من القصة. حيث أكد أن سعر الجنارك المرتفع يعود إلى استيرادها من تركيا، حيث يتم زراعتها تحت النايلون وتغطيتها بخيم بلاستيكية، مما يُضاف إلى التكاليف الإضافية لنقلها إلى لبنان عبر الطائرات أو الشحن البحري مما يزيد من تكلفة الشحن بالكيلوغرام.
ويُبين أيضًا أن الطلب على الجنارك من الخارج يُساهم في رفع سعرها في الأسواق المحلية، وخاصة أن الجنارك المحلية لم تبدأ بعد. مشيرا إلى أنه عندما يبدأ موسمها في لبنان، تنخفض أسعارها بنسبة 60 الى 70% ، لكنها تبقى مرتفعة بسبب الاعتماد على استيرادها من تركيا، التي تعتبر المصدر الرئيسي للجنارك إلى العالم. قائلا: أن العالم بأسره يستورد جنارك من تركيا، حيث يبدأ موسم الجنارك فيها مبكراً نظراً لاستخدامهم لتدفئة الخيام والتكاليف الإضافية للشحن، وتتحكم تركيا في سوق الشرق الأوسط بشكل كبير.
وضمن هذا السياق, ختم" ف. ع" بالإشارة إلى أن النسبة الأكبر من المشترين للجنارك هم الإناث والحوامل، وإنما بكميات قليلة، في حين يتم بيع الكميات الأكبر للمغتربين، الذين يقومون بشراء كميات كبيرة ليأخذوها معهم لمكان إقامتهم.
ختاما، يتجلى الواقع الاستثنائي لحياة الشعب اللبناني بكل مجدها وتنوعها الذي وصل إلى مرحلة بات يعتمد فيها على الحسابات الدقيقة لكل قرش يصرفونه حتى في شراء الفواكه الطبيعية البسيطة لا لتحقيق النجاح والازدهار، بل لضمان بقائهم على قمة "عيشه" في وجه التحديات الاقتصادية الضاغطة. إذ إن هذا المشهد الحقيقي ليس نكتة سخيفة في مسرحية الحياة اليومية للبنانيين، وليس مجرد مزحة، فتلك الفاكهة أصبحت مجرد حلم بعيد المنال لأولئك الذين لا يملكون سلة الفواكه الفاخرة.