ميساء عطوي - خاصّ الأفضل نيوز
في دوامة الأزمات التي تعصف في لبنان، نتيجة الفساد المستشري والتدخلات السياسية، وضعف التمويل والتخطيط الفعال، تبرز بوضوح بعض المؤسسات الإدارية التي يُنظر إليها على أنها المنقذ الأخير، والتي كانت من المفترض أن تكون دعامة لتحريك العجلة الاقتصادية ولتحقيق العائدات المالية لخزينة الدولة، لكنها في الواقع تشكل بدلاً من ذلك عبئاً ثقيلاً يزيد من وطأة الأزمة الاقتصادية.
وبعد أن تمثلت الهيئة العامة لإدارة السير والآليات والمركبات (النافعة)، والمؤسسة العامة للإسكان، وإصدار الطوابع المالية في لبنان كأركان أساسية في تعزيز الاقتصاد اللبناني، باتت تلك المؤسسات تجد نفسها في وضعية هشة بسبب العديد من العوامل التي تعيق جهودها، وتجسّد واقعًا يتخلله عدم الاستقرار كـ "يوم ليك ويوم عليك"، حيث يتم تبديل قرارات الاستئناف بالعمل بقرارات الإقفال بشكل دوري ومتقطع، بالإضافة إلى أزمة فقدان الطوابع التي يعاني منها اللبنانيون وأدَّت إلى توقّف المعاملات في الإدارات، وعدم القدرة على إنجاز المعاملات والوثائق الرسمية.
دولة فاشلة..
يتجلى مظهر انحلال الدولة التي تفتقر إلى الإيرادات التي يمكن أن تحققها من خلال تحسين أداء المؤسسات والمرافق العامة، بوضوح من خلال عدم انتظام العمل، هذا ما أوضحه الخبير الاقتصادي عماد فرّان، في حديث خاص لـ موقع "الأفضل نيوز" قائلا إنها كانت مُكلّفة بأداء وظائف محددة، للفساد والمحسوبيات لكن الواقع يشهد تكوٌّن "مافيات" تستغل هذا الوضع لتجاوز القوانين والأنظمة بشكل يثير القلق. كما أشار فرّان إلى أن عدم انتظام عمل هذه المؤسسات، بالتزامن مع غياب الرقابة الكافية، يؤدي إلى تدني أدائها وتقديم خدمات ضعيفة، مما تنعكس هذه الظاهرة سلباً على الاقتصاد المحلي.
من جهة ثانية، شدد فرّان على العمل من خلال تعزيز الأجهزة الرقابية وإضغامها للقانون من قبل المؤسسات العامة، من أجل استعادة دور البلد في النظام الإقليمي والدولي، ويتطلب ذلك تحسين الأداء والشفافية في عمل المؤسسات الحكومية، وضمان الامتثال للقوانين والأنظمة المعمول بها.
وفي سياق متصل، أوضح فرّان أن جميع المرافق العامة وتحسين أدائها يمثّل خطوة أساسية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في لبنان، بما في ذلك الأملاك العامة والبحرية، وتحسين الأداء الجمركي وجباية الضرائب الجمركية، ومنع التحرك الجمركي، والتقييم الحقيقي للبضائع التي تدخل إلى لبنان، التي تعتمد عليها الدولة بشكل كبير في تعزيز المالية العامة، قائلا: "الدولة من دون إيرادات هي دولة فاشلة لا تستطيع تلبية احتياجات المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية"
الفساد والمحسوبية "سيِّدا الموقف"
من هذا المنطلق أشار فرّان إلى أن دور المؤسسات الحكومية ليس مقتصرًا على تحقيق الإيرادات فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل أيضًا تسيير شؤون المواطنين ومنع المحسوبية والرشوة. مؤكدا أن ارتفاع مظاهر الفساد والتجاوزات يُعزى إلى غياب الخدمات الأساسية وتقديم الخدمات بشكل غير فعال من قبل المؤسسات التي يُفترض أن تلبي احتياجات المواطنين . لذلك يؤدي الفساد والمحسوبية إلى تضييع مبالغ ضخمة من الأموال العامة، بالإضافة إلى فرض فواتير مفرطة على المواطنين من أجل تلقي الخدمات المطلوبة. ولا يمكن للدولة استعادة هيبتها ما لم يكن عمل المؤسسات محكمًا وفعالًا.
أما بالنسبة للمؤسسة العامة للإسكان، أفاد فرّان بأنها بحاجة إلى تمويل وهيكلة معينة لتقديم الدعم اللازم للمواطنين، لذا، يجب إعادة تنظيم الأمور بحيث يتم توجيه الموارد بشكل صحيح وفقًا لأهداف المؤسسة.
هذا الاستطراد، يجعل الواقع اللبناني مأساويًّا بلا شك. فالدولة اللبنانية، التي يُنظر إليها على أنها الملاذ الآمن، تبقى "شحادة ومشارطة"، غارقة في ديون لا تنتهي، وتتسامح مع الفساد الذي ينخر جسدها ويفتك بجوانبها المؤسسية.
وبالرغم من الضغوطات المتزايدة على الإدارات الحكومية، تبقى الحكومة تماطل وتستهزئ بالمسؤولية، مما يجعل الوضع يتدهور يوماً بعد يوم، دون أدنى محاولة جدية لإيجاد حلول فعّالة للأزمات المتفاقمة.