محمد محمود شحادة - خاصّ الأفضل نيوز
في إطار الحديث عن الوضع القانوني للاعتراضات الجوية الأردنية الأخيرة للطائرات المسيرة الإيرانية وفق القانون الدولي العام، فإن هذه المسألة لم تبدأ مع اهتمامات القانون الدولي إلا مع التقدم العلمي، لأن الملاحة الجوية لم تأخذ الصفة الدولية بشكل جدي إلا بعد الحرب العالمية الأولى، فقبلها كان هناك فقط منطاد عام 1783 ثم بعد سبعين عاماً حضرت الطائرة الشراعية.
بدأ الاهتمام الفعلي بتكييف قانوني للطيران بعد الحرب العالمية الأولى، فوقَّعت أول اتفاقية جماعية لتنظيم الملاحة الجوية عرفت بـ "اتفاقية باريس"1919، ومن بعدها "اتفاقية شيكاغو" 1944 أي أواخر الحرب العالمية الثانية.
في كلا الاتفاقيتين لم تقر حرية الملاحة الجوية لأي دولة فوق أخرى إلا بموافقة الأخيرة -سواء أكانت الملاحة عسكرية أم مدنية- إلا أنه كان هناك توجه نحو وضع سقف جوي على غرار المجال البحري مثل منطقة أعالي البحار حتى تعتبر أن ارتفاع المجال الجوي السيادي للدولة يجب أن يكون محدوداً نحو فضاء جوي معين، إلا أن المتعاهدين لم يصلوا إلى تحديد الارتفاع المناسب فاستمروا على اللانهاية في سيادة الفضاء.
عشية 13 نيسان 2024 اعترض الأردن المسيرات الإيرانية المتجهة نحو الأرض المحتلة، وتقول المصادر الأمنية الأردنية أن سلاح الجو الأردني اعترض وأسقط عشرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي دخلت المجال الجوي الأردني قاصدة الكيان الصهيوني، وبقي الجيش في حالة تأهب و أنظمة الرادار تراقب نشاط طائرات و مسيرات قادمة من سوريا والعراق.
وقد شوهدت عدة طائرات مسيرة بعد إسقاطها في أحياء جنوب العاصمة عمان على بعد 60 كيلومترا من القدس، وللعلم إنه في أواخر 2023، طلب الأردن من الولايات المتحدة الأميركية، نشر منظومة الدفاع الجوي "باتريوت "لديه لتعزيز دفاعاته الحدودية.
ويقول المسؤولون إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) زادت منذ ذلك الحين مساعداتها العسكرية للمملكة، وهي حليف إقليمي رئيسي لواشنطن، ويتمركز فيها مئات من الجنود الأميركيين سيما في قاعدة القوات القيادة المركزية الأميركية حيث وقع هجوم على قاعدتها الجوية العسكرية برج 22 شمال شرقي الأردن، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة 34 آخرين، والأميركيون يجرون تدريبات مكثفة مع الجيش الأردني على مدار العام.
لذلك فالسؤال: ما هو الوضع القانوني للتصدي الأردني للمسيرات الإيرانية؟
ذكرت اتفاقية شيكاغو أنه يحق لأي دولة بالدفاع عن نفسها في الجو دون اعتراض الجوار مع الاكتفاء بالإخطار، وأن أي تدخل اعتراضي يعتبر إسناداً للعدوان، وإيران قد أخطرت دول الجوار بأنها ستقوم باستخدام المجالات الجوية للدول المجاورة للدفاع عن نفسها بعدما ضربت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي محقة بالدفاع عن نفسها وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
من هنا فإن التصدي الأردني لا ينحصر في إطار صد لخرق سيادة المملكة، بل إنه انتقل ووفق الاتفاقات الدولية لإسناد عدوان على الجمهورية الإسلامية التي كانت تستعمل حقها بالدفاع عن نفسها أمام إسرائيل، إلا أن الأردن ربما تحكمه اتفاقية وادي عربة للدفاع مع إسرائيل، عدو العرب والمسلمين، دون الاكتراث للجمهورية الإسلامية الداعمة لمقاومة العدو الإسرائيلي.
فهل تعلو اتفاقية بين دولتين على اتفاقية شيكاغو الدولية؟ أم إن ما جرى يعتبر اصطفافا علنيًّا للأردن بجانب إسرائيل في الحرب الدائرة، وهل يحق لإيران اعتبار الأردن شريكاً بالعدوان؟