عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
بعد مرور ثمانية أشهر على الحرب، تمكن العدو الإسرائيلي من استعادة أربعة أسرى أحياء من مخيم النصيرات في قطاع غزة، حيث حاول تقديم الأمر على أساس أنه نصر في حين لا يعدو كونه في أحسن الحالات مجرد "نُصير"، أي نصر هزيل وصغير في سياق هزيمة استراتيجية يتجرع مرارتها يوميا في الميدان.
وبهذا المعنى، يمكن القول بأن العدو فاز في شوط وليس في المباراة، أو ربح معركة لكنه خسر الحرب. ليس في هذا الاستنتاج مبالغة أو إفراطا في العواطف بل هو يستند إلى مقاربة موضوعية للواقع ومعادلاته.
ولعل "همروجة" احتفاء الاحتلال باستعادة عدد قليل جدا من الأسرى تُبين مستوى الاختناق الذي وصل إليه ودفعه الى الابتهاج المفرط والمتضخم بعملية موضعية لا تغير شيئا في طبيعة أو جوهر المأزق الذي يواجهه في غزة.
صحيح أن نتنياهو استمد من تلك العملية بعض الأوكسجين الذي قد يفيده في إطالة أمد الحرب تحت شعار تعميم "نموذج النصيرات" لاستعادة باقي الأسرى، وصحيح أنه سيصبح أكثر تشددا في المفاوضات مفترضا أن ما حصل يعزز أوراقه في مواجهة "حماس".. إلا أن الوقت لن يطول قبل أن يرتطم مجددا بحقائق الأرض ويكتشف أن الهجوم على مخيم النصيرات هو جبل مصطنع تمخض فولد فأرًا تكتيكيا سيضيع في أنفاق غزة ومعادلاتها الاستراتيجية.
وبناء عليه، فإن مفعول استرجاع الأسرى الأربعة سينتهي سريعا في داخل الكيان، كفقاعة صابون، لتعود بعد ذلك الحقائق الدامغة إلى فرض نفسها على قيادة الاحتلال، ومن أهمها أن هناك 120 إسرائيليا، وبينهم ضباط برتب عالية، لا يزالون قيد الأسر لدى "حماس" التي سبق لها أن أكدت أنه لو بقي في حوزتها أسير واحد فقط فإن قواعد أي صفقة تبادل لن تتغير، فكيف إذا كانت لا تزال تحتفظ بهذا العدد الوازن، كمّا ونوعا.
ثم إن واقعة النصيرات ستدفع "حماس" الى مراجعة الإجراءات المتخذة لحماية أماكن وجود الأسرى، والاستفادة من دروس التجربة الأخيرة، ما يعني أن نجاح أي عملية جديدة لن يكون سهلا وأن تحرير الأربعة قابله عمليا إحكام القبضة على ال120 الآخرين وبالتالي سيجد نتنياهو نفسه ملزما بالعودة الى المربع الأول والتفاوض حول مطالب المقاومة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى الآخرين، مهما حاول المراوغة والمناورة.
ويجدر لفت الانتباه إلى أنه جرى تضخيم متعمد من قبل العدو الإسرائيلي لعملية استرجاع الأسرى معتبرا أنها تنطوي على "نجاح باهر"، وذلك من أجل التغطية على الإخفاق المستمر في تحقيق الأهداف الأساسية للعدوان وفي طليعتها القضاء على "حماس" وتحرير جميع الأسرى أحياء.
ثم كيف يكون النجاح باهرًا فيما العدو ارتكب مجزرة مروعة ذهب ضحيتها أكثر من 210 شهداء ومئات الجرحى حتى يصل إلى أربعة أسرى، الى جانب أن أحد كبار ضباطه قُتل في المواجهة.
وأسوأ بل أقسى ما في الأمر أن معظم الأضواء سُلطت على هؤلاء الأسرى بينما بقي في الظل الضحايا المدنيون الذين دفعوا ثمن سلوك الكيان ورُعاته على مستوى التمييز بين قيمة هذا الإنسان وذاك.