ميشال نصر - خاص الأفضل نيوز
قبل ساعات من توجهه الى الشرق الأوسط، فجر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قنبلته في وجه إسرائيل، التي قد تكون تداعياتها أوسع جغرافيًا من غزة لتطال لبنان وما بعده. لبنان الذي لم تحجب الملفات الدولية على أهميتها، انشغاله رسميًا ، وبدرجة أقل شعبيًا، بالاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري، الذي وإن أقفلت صناديق اقتراع مرحلتيه الأولى والثانية، إلا أن الاستحقاق سيبقى مفتوحًا حتى نهاية الشهر.
فالحكومة التي رأت في الاستحقاق فرصة لتسجيل نجاح يعيد ثقة الداخل والمجتمعين العربي والدولي بلبنان، حشدت كل قواها لتمرير المرحلة الثانية على خير، فيما كانت "الإيد" الرسمية "عالقلب"، لإبقاء الأمور تحت سقف الانضباط، وإن لم تخل من بعض الأحداث، خصوصًا في ظل التشابك في بعض البلديات.
وإذا كان ثمة طغيان للعامل العائلي، فإن الرياح السياسية، وبعض التحالفات الهجينة، خلطت الكثير من الأوراق الانتخابية، حيث جاءت المعارك والمنافسات على نسب متفاوتة من الحدّة ارتباطا بالثقل الطائفي والتوزع السياسي والحزبي والعائلي والاجتماعي بين الأقضية، طرابلس والأقضية المسيحية على وجه الخصوص.
فالحدث الانتخابي الشمالي بقي أمس محط اهتمام لا سيما لناحية القراءة في نتائجه، حيث برز تقدم القوات اللبنانية في البترون وبشري ومحافظة المردة على وجودهم في زغرتا، في انتظار انتهاء وزارة الداخلية من إعلان كافة النتائج في مختلف الأقضية تباعاً. وفي هذا الإطار توقفت مصادر سياسية عند سلسلة من المؤشرات والملاحظات أبرزها:
- أولاً، نجاح الدولة بمختلف أجهزتها الإدارية والأمنية في تنظيم العملية الانتخابية، مع وجوب معالجة ما ظهر من ثُغرات إجرائية للدورات اللاحقة، وقانونية للسنوات المقبلة، إذ تبين أن أكثر من 500 موظف، على سبيل المثال، لم يلتحقوا بمراكز الاقتراع، نتيجة الأوضاع الاقتصادية وكلفة الانتقال من الجنوب والبقاع الى الشمال.
أما أمنيًا، ورغم الإشكالات التي توالت منذ فتح صناديق الاقتراع، والتي بلغت ال263 حادثا "جديا" ، والتي استتبعت مساء "بفلتان" غير مسبوق، من موجة إطلاق نار عشوائي أوقع قتلى وجرحى، استمرت لساعات، ما حتَّم تدخل الجيش والقوى الأمنية لفض النزاعات وضبط السلاح المتفلت، إلا أن الوقائع بينت أن القوى الأمنية قادرة على فرض الأمن والحزم متى توافرت الإرادة السياسية، سواء لجهة توافر العديد الكافي، أو تخطي مسألة "إبريق زيت" الرواتب.
-ثانياً، اختلاط "حابل العائلية بنابل السياسة" في غالبية المدن والبلدات والقرى، مع طغيان واضح للانقسامات التاريخية، رغم "ضياع الطاسة" بين عنوان المعركة الحزبي وعنوانها الإنمائي، وهو ما دفع الى انقسام مناصري التيارات والأحزاب والأطراف بين أكثر من لائحة في البلدة الواحدة، ما جعل من تبني الفوز لهذه اللائحة أو تلك من جانب هذا الطرف السياسي أو ذاك مهمة شبه مستحيلة.
غير أن هذا المستحيل والكلام للمصادر، وإن كشف عن مشكلة كبيرة لدى الشارع السني، في ظل عزوف المستقبل عن المشاركة في الانتخابات، إلا أنه مسيحيًا، وبعد الجولتين الأولى والثانية، يمكن الجزم بأن الأحزاب والقوى التقليدية لا زالت ممسكة بالشارع، وبالتالي لن يكون من السهل تجاوزها أبدا، والأهم أن ما ظهر من إقفال لأبواب الساحة المسيحية أمام ولادة أي قوة سياسية جديدة.
-ثالثاً، اضطرار غالبية القوى السياسية الكبيرة الى عقد تحالفات محلية، متجانسة حيناً أو هجينة الى حد التناقض السياسي أحياناً، وذلك بهدف تأمين الفوز في هذا الاتجاه أو ذاك، مع ما يستتبع هذا الأمر من خطر على انفراط عقد المجالس البلدية أو تعطيل عملها في سنة الانتخابات النيابية، في سبيل الحفاظ على وجودها وحصصها من "الكعكة".
-رابعا، أكدت المرحلتين الأولى والثانية، وجود حالة من "القرف" الواضح وعدم الاهتمام بالاستحقاق، وهو ما بينته نسب المشاركة المتراجعة، وهو ما يشكل "ضربة" للعهد الجديد، الذي وإن نجح في تمرير الاستحقاق، إلا أنه لم ينجح في استنهاض الشارع الشعبي، حتى وإن كان إنمائيا، في مواجهة التكتلات الحزبية التي ثبتت نفسها، في امتحان إثبات وجود بعد محاولات عزلها وإقصائها مع تشكيل الحكومة.
أما النقطة الثانية اللافتة، فقد سجلتها المشاركة الاستثنائية للمجنسين في الاستحقاق، خلافا للمرات السابقة، حيث كان يسجل غيابهم عن البلديات التي يقعون ضمن قوائمها، وهي ظاهرة تستحق الدرس والتحليل.
في الخلاصة، ومع إنجاز الاستحقاق تباعاً، تنتهي مرحلة الانتخابات وتبدأ مرحلة العمل، في انتظار الإنجازات الموعودة، ومن أبرزها في هذه المرحلة الحساسة دور المجالس البلدية والاختيارية الجديدة في ملف النزوح، الى جانب عناوين الإنماء، حيث المهمة تكاد تكون شبه مستحيلة في ظل الأوضاع الحالية ووضع الخزية "التعيس".