د.مهدي عقيل - خاص الأفضل نيوز
وصلت العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد أحداث "طوفان الأقصى" إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وعبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن استيائه من "المواقف المناهضة لإسرائيل" التي اتخذها مبعوثو موسكو في الأمم المتحدة، في حين أعرب عن "الرفض الشديد" لتعاون روسيا "الخطير" مع حليفتها إيران.
وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على حرب غزة، وإثر الهجوم الإيراني على إسرائيل في ليل 13-14 الجاري، تظهّر موقف روسيا ليس ضد الكيان العبري وحسب، إنما وقوفها إلى جانب عدوتها اللدود إيران.
وقد بدأت إرهاصات تدهور العلاقة بين موسكو وتل أبيب منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/فبراير 2022، عقب وقوف نتنياهو إلى جانب كييف، وربما أتاحت حرب غزة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لرد "الجميل"، حيث أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، طرح نظرية مؤامرة معادية للسامية زعم فيها أن أدولف هتلر "لديه دماء يهودية"، وهي التعليقات التي وصفتها إسرائيل بأنها "مشينة وغير قابلة للتسامح".
أثار الهجوم الإيراني على إسرائيل إدانات رسمية من مختلف دول العالم، لا سيما الغربية منها. في المقابل، البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية ذهب إلى أبعد من ذلك. لقد دعت روسيا الطرفين إلى ضبط النفس، لكن البيان الروسي لم يخفِ انزياحه إلى طهران، فدعم الموقف الإيراني، واعتبر الهجوم الإيراني على إسرائيل رداً مشروعاً، وفق البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق بالحق في الدفاع عن النفس، بعد استهداف المقاتلات الإسرائيلية لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ولمّح إلى أن هذا الاستهداف يُعبر عن خفة إسرائيلية وعدم مسؤولية.
في الحقيقة، النهج الروسي والموقف المؤيد لإيران ليسا مفاجئَين. بل هما نموذج آخر من تعزيز العلاقات بين روسيا وإيران، ووقوف روسيا إلى جانب إيران في الساحة الدولية. فالتعاون بين الدولتين تعمّق بصورة كبيرة بعد قرارهما الاستراتيجي في هذا الشأن. ولم تنسَ موسكو دعم طهران لها بالأسلحة والذخائر، لا سيما مسيّرات شاهد 136 التي ساعدت كثيراً الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا. ويمكن أن نتوقع تعمُّق الحلف الاستراتيجي بينهما في المدَيين القصير والمتوسط، وهذا ما يساهم في تعقيد الموقف الأميركي تجاه المنطقة، حينما تحكم علاقة استراتيجية بين دولة بحجم روسيا مع إيران، التي أمست تتمتع بنفوذ كبير في أربع عواصم عربية على الأقل.
ومن شأن تلك العلاقة الاستراتيجية أن تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل، وقد تنسف التفاهم أو التنسيق القائم بينها وبين روسيا فيما خص الساحة السورية. خصوصاً لجهة الترتيبات في الجنوب السوري ومنع احتكاك إيران وحلفائها مع القوات الإسرائيلية على حدود الجولان المحتل. وقد يؤدي مزيد من الخلاف الروسي الإسرائيلي إلى عرقلة استراتيجية المعركة بين الحروب، والتي تعرف بإسرائيل باستراتيجية "مبام"، التي تمارسها إسرائيل منذ سنوات.
خلاصة القول، رغم هذا التفاؤل بتدهور العلاقة بين روسيا وإسرائيل، لكن هناك آراء تجزم بأن تلك العلاقة التاريخية تمرّ في عثرات ومطبات لكن تبقى محافظة على الحد الأدنى، وهذا دأب الدول الكبرى مثل روسيا وغيرها التي ترى مصالحها أولاً وآخراً وقبل كل شيء.