نبيه برجي - خاصّ الأفضل نيوز
ما حدث كان يفترض ألاّ يحدث، لا في ضاحية بيروت ولا في وسط طهران . هل هو الغول الإلكتروني الذي يلاحق بتلك الطريقة المروعة النخبة العسكرية في "حزب الله" ، أم هي العيون الصفراء في بلد يعاني من تصدعات سياسية وطائفية وضعت مصيره في مهب الحرائق ، حيناً ، وحيناً في مهب الصفقات ؟
هي إسرائيل التي سألت وكالة بلومبرغ ، حين انفجرت فضيحة المنظومة التجسسية (بيغاسوس) التي تصنعها شركة "إن.إس.أو"الإسرائيلية , ما إذا كان رجال الموساد يقيمون داخل جدران البيت الأبيض . تفادت القول "داخل جدران البنتاغون" . هذه المنظومة أخذت اسمها من الحصان المجنح في الميتولوجيا الإغريقية ، لتكاد تبدو ، في فاعليتها ، ذات أبعاد ماورائية في اختراقها لـ"الأرواح البشرية" !
مقاربة اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر يفترض أن تكون في منتهى الشفافية ، وفي منتهى الصراحة ، لكي ندرك أي نوع من الأعداء نقاتل ، وما يمكن أن يواجهنا من مفاجآت إذا ما تفلتت الحرب مما يدعى "قواعد الاشتباك" . ما نعلمه أن قيادة المقاومة أمرت بالاستنفار العام تحسباً للضربة الاسرائيلية ، حتى أن العناصر العادية أخلت مواقعها ، كيف للرجل الذي بمهمته القيادية البالغة الحساسية خصوصاً في هذه المرحلة أن يظهر في منطقة مكتظة ،وحيث الأبنية تتداخل مع بعضها البعض ، في حارة حريك التي ترصد الأقمار الصناعية ، وكذلك شبكات التجسس ، حتى دبيب النمل فيها ؟
هل يمكننا أن نتحدث ، ويجب أن نتحدث ، عن الاختراقات الافتراضية ، بل والبديهية ،إذا ما أخذنا بالاعتبار في أي دولة نعيش ، وكانت في الستينات من القرن الماضي "فردوس الجاسوسية" ، بحسب تعبير كيم فيلبي ،ضابط الاستخبارات البريطاني الشهير ، والعميل المزدوج للاتحاد السوفياتي ؟
لا شك أن شكر كان يعلم ذلك ،وهو صاحب الدماغ الميداني الفذ ،وكان يتوقع ، كما نقل إلينا، ألاّ يقضي مثلما قضى عماد مغنية ، ومصطفى بدر الدين بمتفجرة ، على الأرض السورية . حلمه "المقدس" أن يسقط في أرض المعركة ، لينتهي تحت الأنقاض في عملية جوية إسرائيلية أثارت الصدمة أن لدى "البيئة الحاضنة" ،أو لدى القوى التي ترى في إسرائيل الظاهرة الهمجية في خاصرة القارة العربية .
الى أين يمكن أن يذهب بنيامين نتنياهو في لعبة النيران ؟ ناحوم برنياع واثق من أنه سيكون الضحية الأولى لهذه النيران ، ولكن ليبدي خشيته من أن تكون إسرائيل هي الضحية الكبرى إذا ما اجتاحت الفوضى الأبوكاليبتية ، بأبعادها الأيديولوجية العاصفة ، الشرق الأوسط .
الأميركيون قالو "لا حرب" . الإيرانيون كذلك . الروس ينصحون "ضعوا أعصابكم في الثلاجة في هذه المرحلة الخطيرة" . ولكن ألم يقل لويد أوستن أن بلاده ستتدخل لمؤازرة إسرائيل إذا ما تعرضت للهجوم ، تاركاً للآخرين تفسير هذه العبارة الملتبسة . ما هو نوع الهجوم الذي يمكن أن تتعرض له إسرائيل . لا دبابات ، ولا قاذفات هناك . ولا نتصور أن المقاومة في لبنان ستحاول الدخول الى الجليل إلا إذا حاول الإسرائيليون غزو الجنوب ...
ولكن ألم تطرح علامات الاستفهام حول كيفية اغتيال شخصيتين بذلك الحجم ، أن في الضاحية , وهي الحصن الحصين لقيادة المقاومة ،أو في طهران التي يصفها نتنياهو بـ"رأس الأفعى" . الإسرائيليون اخترقوا كل الخطوط الحمراء . وقد نفهم أن يحصل ذلك في لبنان , وحيث دولة ـ اللادولة ، وقد قامت على تلك القاعدة الفلسفية العجيبة "قوة لبنان في ضعفه"وحيث السواتر الترابية ترتفع أكثر فأكثر بين الطوائف وحتى داخل الطوائف . أما أن يحدث ذلك في طهران , بتلك الصيحات المدوية حول إزالة إسرائيل من الوجود !!
هذا حين تصل مسيّرة إسرائيلية الى قلب طهران (كيف عرف الموساد بمكان تواجد هنية وبتلك السرعة ؟) . أي فضيحة هذه حين يقول الأصدقاء قبل الأعداء أن آيات الله يعطون الأولوية لفرض الحجاب على رؤوس النساء على إقامة درع حديدية تحمي أجواء البلاد ؟
نتنياهو ليس عدو الفلسطينيين وحدهم ولا العرب وحدهم . هو بتلك الثقافة التوراتية أو التلمودية عدو البشرية . لعل الرسالة الإنكليزية وصلت عبر الصحافي البارز ديفيد هيرست "أيها الأميركيون لا تخسروا الشرق الأوسط من أجل هذا المجنون لأنكم تخسرون العالم" !!