عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
قبل أن يجفّ حبر البيان الأميركي - المصري - القطري الذي استعجل إبرام اتفاق على وقف إطلاق النار في غزّة، نفّذ العدوُّ الإسرائيليُّ مجزرة رهيبة في حقّ المدنيّينَ الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مدرسة التابعين في غزة.
وإذا كان ارتكاب هذه المجزرة هو امتداد لسلوك عدواني متأصل لدى العدو الإسرائيليّ المتخصص في فنون الإجرام، إلا أن ما يجدر التوقف عنده هو توقيت تنفيذها، بعد ساعات قليلة من صدور البيان المشترك عن واشنطن والدوحة والقاهرة، الأمر الذي يعكس استخفافًا إسرائيليًّا به وبموقعيه، ونسفًا لجوهره وبنوده، قبيل معاودة انطلاق المفاوضات المفترضة، وكأن رئيس وزراء العدو يقول لأصحاب البيان: "بلّوه واشربوا ميتو!"
ويبدو واضحًا، أن نتنياهو لا يزال متفلتًا من أي ضوابط وأن أحدًا لا يستطيع ردعه، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي تستطيع ولكنها لا تريد.
وبدل أن تعطي واشنطن إشارة ما إلى جدّيّة مسعاها للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة عبر الضغط الحقيقي على نتنياهو، إذا بالعكس يحصل مع قرارها بالإفراج عن 3.5 مليار دولار لإسرائيل كي تنفقها على شراء أسلحة ومعدات عسكرية أميركية، الأمر الذي يوحي بأن الغطاء الأميركي للعدوانية الإسرائيليّة لم يتقلص، عقب عشرة أشهر من الحرب، بمعزل عن بعض التباينات التكتيكية مع نتنياهو تحديدًا.
وحتّى عندما تختلف واشنطن مع نتنياهو فإن ذلك لا يكون مؤشّرًا إلى أي تحول في السياسات الاستراتيجية الأميركية، بل أن الولايات المتحدة تكون عندها في صدد حماية إسرائيل من نتنياهو نفسه، انطلاقًا من أنها أحرص عليها وعلى مصالحها منه.
ولعل ما فاقم من تهوّر نتنياهو وهمجيته، كما يُستدل من تصاعد الاغتيالات والمجازر، هو شعوره بأنه قادر على استباحة كل الخطوط الحمر في مرحلة انعدام الوزن الذي تمر فيه أميركا قبل فترة قصيرة من موعد الانتخابات الرئاسية، آملًا كما صار معروفًا، في أن يتمكن من جر أو استدراج واشنطن وطهران إلى مواجهة مباشرة، تحقق مبتغاه وتعيد ترسيم معالم الإقليم وتوازناته وفق ما يتناسب مع مصالحه وحساباته.
ولكن العارفين يشيرون إلى أن واشنطن تحاول قدر الإمكان تفادي الانزلاق إلى حرب شاملة في المنطقة، ليس لأنها داعية سلام ومبشرة به، بل لعلمها بأن مثل هذه الحرب ستشكل تهديدًا مباشرًا لمصالحها وقواتها في الإقليم، إضافة إلى أن الحرب الروسية - الأوكرانية، التي تشكل أولويّة استراتيجية لها، استهلكت جانبًا من طاقتها بفعل الدعم الذي تمنحه إلى كييف بغية التصدي لفلاديمير بوتين، وبالتالي فهي تسعى إلى تحاشي التورط في حربين معًا، واحدة في أوكرانيا وأخرى في الشرق الأوسط.
من هنا، فإن مصلحة واشنطن تكمن في إبقاء الحريق المشتعل في غزة تحت السيطرة حتى لا يمتد نطاقه وتحرق أصابعها بألسنة لهبه، بينما طموح نتنياهو هو توسيع دائرة النار ليجبر الإدارة الأميركية على التدخل، حتى تنوب عنه في تصفية الحساب القديم مع طهران مفترضًا أن توجيه ضربة قوية إليها ستضعف تلقائيًّا كامل محور المقاومة كونها تشكل عموده الفقري.
والمشكلة هنا، أن عدم جدّيّة الإدارة الأميركية في الضغط على نتنياهو لوقف عدوانه على غزة، يترك الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ويسمح لرئيس حكومة العدو بأن يواصل اللعب على حافة الهاوية والعبث بالأمن الإقليمي الهش الذي قد يفلت من السيطرة في أي وقت ما دام "الثور" لم "يُروّض" بعد.