طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
ما غاب أو غُيِّبَ عن البيان الوزاري أو جرى صوغه بلغة ديبلوماسية منمقة حول حق لبنان في مقاومة، فرضته الوقائع على الأرض حقيقة تقر بها كل المواثيق والأعراف الدولية التي تعطي لكل شعب تُحتل أرضه من عدو، وحتى من شقيق أو صديق، حقه بالمقاومة لإنهاء هذا الاحتلال.
فإسرائيل احتلت أراضٍ لبنانية وغالبيتها احتُلت غيلة وغدرا بعد التوصل إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، وكانت عجزت عن احتلالها أيام العدوان نتيجة تصدي المقاومة البطولي لقوات الاحتلال ما منعها من التقدم سوى إلى مئات الأمتار داخل الحدود اللبنانية الجنوبية، ما يؤكد أن المقاومة لم تهزم بخلاف الادعاء الإسرائيلي، إذ لو كان في الأمر هزيمة حقيقية لكانت إسرائيل رفضت وقف إطلاق النار واستمرت في الحرب لتصل إلى شمال الأولي وربما إلى أبعد من ذلك، وهي هددت بذلك أيام الحرب مرات عدة وكانت تدعو الجنوبيين في منطقتي جنوب الليطاني وشماله للنزوح إلى شمال صيدا.
وقد شكل البيان الذي صدر عن الاجتماع الرئاسي الثلاثي بما صدر عنه من موقف موحد "ضربة معلم" جاءت في الوقت المناسب لأن إسرائيل التي انسحبت من القرى الحدودية إلى خمس تلال اسراتيجية حاكمة ومتحكمة بكل تلك القرى، هي بمثابة احتلال لها سواء بالنار أو بالميدان خصوصا وأن هذه التلال هي ضمن الأراضي اللبنانية وخلفها مسافات بالكيلومترات من الأراضي اللبنانية اللصيقة بالحدود مع فلسطين المحتلة، تريد إسرائيل منها أن تكون منطقة عازلة وتحت احتلالها المباشر، يعني نصف "حزام أمني"، كذلك الحزام الذي كانت تقيمه هناك أيام "دويلة سعد حداد" إثر الاجتياح الإسرائيلي الأول لجنوب لبنان عام 1978 من القرن الماضي.
وبعدما أعلن الرؤساء الثلاثة التزام لبنان وقف إطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته وهو الذي لم تلتزم به إسرائيل، وتستمر في خرقه كما في خرق وقف إطلاق النار، أكدوا "تمسك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كامل أراضيها"، كذلك أكدها "حق لبنان في اعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الإسرائيلي".
وعلى أثر هذا الموقف الذي يعطي المقاومة الحق بالتصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي أينما وجدت في التلال الخمس أو أي مكان على الأراضي اللبنانية ما كان من الأمم المتحدة وقيادة قوات "اليونيفيل" إلا استشعار إمكان انهيار وقف إطلاق النار في الجنوب والإقرار بالنكوث الإسرائيلي بالاتفاق ولو أنهما اعتمدا لغة إلقاء اللوم على الجانبين معا، من خلال الربط بين الانسحاب الإسرائيلي وانتشار الجيش اللبناني الذي ينبغي أن يحصل بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن المقصود باللوم بالدرجة الأولى هو إسرائيل لأنها هي علنا تخرق الاتفاق وترفض الانسحاب الكامل في فترة الستين يوما التي انقضت في 27 كانون الثاني الماضي ولا في نهاية مهلة تمديد الهدنة التي انتهت في 18 شباط الجاري وهو ما دفع الأمم المتحدة واليونيفيل إلى التحذير من أن أي تأخير آخر في هذه العملية "يشكل انتهاكاً مستمراً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 (2006)". أيَّد البيان الموقف اللبناني عبر الإشارة إلى أن "الرئيس اللبناني الجديد والحكومة عازمون على بسط سلطة الدولة بشكل كامل في كل المناطق في الجنوب وتعزيز الاستقرار لمنع عودة النزاع إلى لبنان، وهم يستحقون الدعم الثابت في هذا المسعى".
ولذلك يقول بعض الذين انخرطوا في الاتصالات الديبلوماسية مع الجانبين الأميركي والفرنسي لوضعهما أمام مسؤولياتهما لتأمين الانسحاب الإسرائيلي الكامل كونهما الضامنين لتطبيق وقف النار وتنفيذ القرار 1701 عبر لجنة المراقبة الخماسية برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، أن واشنطن وباريس باتتا على المحك، وتحديدا الأميركي الذي أيَّد بقاء إسرائيل في التلال الخمس وراغ حول هذا الموضوع أمام موقف لبنان كما يروغ الثعلب، لأنه إذا لم يحصل الانسحاب الإسرائيلي ستصاب السلطة اللبنانية الجديدة التي نشأت برعاية أميركية بـ"نكسة" كان رئيس مجلس النواب نبيه بري حذر منها أمام الجنرال جيفرز الذي زاره الأسبوع الماضي برفقة السفيرة الأميركية ليزا جونسون. وفي السياق بدأ بعض المسؤولين والأوساط السياسية اللبنانية يسألون عن "التعهد الخطي" الذي قطعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبنانيين الأميركيين الذين انتخبوه في ولاية ميشيغن بأنه سيعمل بعد انتخابه على تحقيق السلام للبنان.
في أي حال تقول بعض هذه الأوساط إن لبنان بدأ حملة ديبلوماسية سوف تتعاظم بعد تشييع الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله في اتجاه واشنطن وباريس والمجتمعين العربي والدولي من أجل تأمين الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وإذا لم تنجح هذه الحملة فستظهر حقيقة النيات وسيكون الوضع في ضوئها مفتوحا على شتى الاحتمالات.