يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
حاول العدو الصهيوني اليوم، أثناء التشييع المهيب لسماحة السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، أن يُهين جمهور حزب الله وأن يظهر سطوته وقدرته ويرسخ قناعةً بأنه المنتصر وبأن يدَه هي العليا، من خلال الغارات التي شنتها طائراته الحربية على 14 هدفاً في البقاع وفي الجنوب، ومن خلال تحليقه على علو منخفض فوق مدينة بيروت وفوق المدينة الرياضية التي غصت بالحشود، وقد أتبع هذه الغارات بتصريحات قال فيها بأنه هاجم مواقع لحزب الله تطبيقاً لنص اتفاق الهدنة، حسب زعمه، وأن طائراته الحربية قد حلقت فوق موقع التشييع وبعضها قد شارك في عملية اغتيال السيدين الشهيدين .
وإذا كانت هذه التصرفات تعتبر من سلوكيات المهزومين لا من سلوكيات المنتصرين ومن صفات المراهقين الذين يحاولون إثبات رجولتهم، ولا سيما بعد أن أظهرت عملية تبادل الأسرى في غزة رضوخ نتنياهو لشروط المقاومة الفلسطينية، وبعد تصدّع حكومته وتراجع شعبيته، وما قام به من تسويف وتأجيل وعرقلة لجهود الوسطاء، فقد كان لهذه الغارات نتائج عكسية تماماً على عدة أصعدة، ودون تفكير وقصد من العدو، وقد صحَّ في عدوّنا قول الشاعر : ( لكلِّ داءٍ دواءٌ يستطابُ به.. إلا الحماقةَ أعيَت من يُداويها ).
ولعل أول تداعيات هذه الغارات الجبانة، هي تلك الصفعة التي وجهتها إسرائيل للدولة اللبنانية، وللعهد الجديد بالذات والذي يثق بما يسمى المجتمع الدولي ويبني الآمال على النهج الدبلوماسي الذي ينبغي أن يكون بديلاً عن الحرب وويلاتها ، فالدولة التي تعهدت للوسطاء الدوليين وللمقاومة بأن تكون هي الحارسة والحامية والحريصة على سيادتها على أرضها و أهلها، لم تستطع أن تمنعَ العدوانَ حتى في فترة الهدنة التي امتدت ستين يوماً وانتهت بتاريخ 16 شباط، ولم تجدِ الأساليب الدبلوماسية والشكاوى نفعاً، لا بل أكدت الأحداث الأخيرة لكل محلل و مراقب بأن إسرائيل الخارجة على الشرعية الدولية والقوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية، لا تحترم إلا لغة القوة، ولا يردع احتلالها وإجرامها إلا المقاومة، ولا يفلُّ حديدَها إلا الحديد.
وأما الصفعة الثانية فقد وجهت إلى" السياديين" في لبنان و" المثقفين" العاملين في خدمة السفارات الأجنبية و الموزعين على الأحزاب والقوى المناوئة للمقاومة والمطالبين بتسليم سلاحها، فقد ابتلعوا ألسنتهم طيلة فترة الهدنة، ولم ينبسوا ببنت شفة إزاء احتلال القرى وتفجير البيوت وقتل المدنيين، بعد التزام قوة الرضوان بوقف إطلاق النار... ورغم معرفتهم وقناعتهم بأن إسرائيل تريد أن تحقق بالسلم ما لم تستطع تحقيقَه بالحرب.
وأما الصفعة الثالثة فكانت للوسطاء الذين مارسوا الضغوط على المسؤولين اللبنانيين ولم يستطيعوا أن يضمنوا التزام إسرائيل، رغم خرق العدو لاتفاق الهدنة عشرات المرات وانتهاكها لبنوده ومندرجاته، فقد أظهر العدو عجزهم وضعفهم في لبنان، فماذا عساهم يقولون أو يفعلون؟
وتحليق الطائرات الإسرائيلية على علو منخفض أثار استياء أهل بيروت وأحرار بيروت الذين لطالما كانوا يحبون البطولة والبطولات، وترسّخ في أذهانهم بأن القائد الذي ألقيت عليه ثلاثة وثمانون طناً من الصواريخ والمتفجرات والغازات الخانقة والسامة من أجل اغتياله وتغييب صوته وصورته، وحذفه من معادلات الصراع، و أن القائد الذي حلقت فوق نعشه الطائرات الحربية في محاولة لاغتياله مرةً أخرى، وأن الزعيم الذي احتشد في تأبينه وتشييعه أكثر من مليوني مواطن من لبنان ومن غير لبنان، هو في نظرهم بلا شك ولا ريبة ( جمال عبد الناصر الثاني )، فلن تغيب عن ذاكرة بيروت صورته ولا صوته الصادح بالحق، ولن تغيب شهامته وهو الذي وقف مع المظلومين في غزة هاشم وساندهم وقدم التضحيات وتحمل وحزبه وجمهوره التبعات حتى استشهد، ولن يغيب عن ذاكرتهم ووجدانهم قوله : " لا وقف لإطلاق النار من لبنان إلا بعد وقف العدوان على غزة هاشم"، هذا بالإضافة إلى دوره وتأثيره في كل الجبهات المساندة لفلسطين من اليمن إلى العراق إلى غيرهما في المنطقة والعالم.
وأما بالنسبة لجمهور المقاومة ومؤيديها ومناصريها فقد زادت استفزازات إسرائيل في قناعتهم بأن " الحق بغير القوة ضائع والسلام بغير القدرة على الدفاع عنه استسلام"، وزادت من تماسكهم وإصرارهم على المضي قدماً في طريق المقاومة والوفاء لنهج الشهداء....
لقد كان السيد الشهيد رجلاً عظيماً وقائداً فذًّا وفريداً، وقد زادت حماقة العدو من عظمته بغير قصد وهذا ما شعر به اليوم حتى الصغار في لبنان وفي العالم العربي بكل تأكيد.