طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
مرة أخرى يثبت بالمواقف والوقائع أنَّ الحرب لم تنته بعد سياسيًّا وعسكريًّا، فبينما إسرائيل مستمرة في احتلالها لأراض لبنانية جنوبية وفي خرقها لوقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701، محاولة "اصطياد" أي هدف عسكري للمقاومة في الجنوب أو البقاع، تتولى الديبلوماسية الأميركية تحضير الظروف التي تدفع لبنان في اتجاه تطبيع أو معاهدة سلام مع تل أبيب ليتكشف أكثر فأكثر أنَّ كل هذا العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي تعرض له لبنان غايته ليس القضاء على المقاومة فيه فقط، وإنما إخضاعه لإدخاله لاحقا في "صفقة القرن" التي عاود الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضخ الحياة فيها مجدداً بعد دخوله إلى البيت الأبيض، ولو كان الأمر غير ذلك، فما الداعي لاحتلال إسرائيل الجنوب السوري وصولا إلى تخوم دمشق ومنطقة البقاع اللبنانية.
ولم تكن زلة لسان ما نقلته "وكالة الصحافة الفرنسية" عن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف من أنه "متفائل في شأن الجهود المبذولة راهنا لإقناع المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى اتفاقية السلام مع إسرائيل التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2020". معربا(اي ويتكوف) عن اعتقاده بإمكانية "أن يلحق لبنان وسوريا بقطار التطبيع بعد "الانتكاسات" التي تعرّضت لها القوى الموالية لإيران في كلا هذين البلدين".
وأكثر من ذلك ذهب ويتكوف إلى القول إنّ "لبنان، في المناسبة، يمكن أن يتحرّك وينضمّ إلى اتفاقيات السلام الإبراهيمية، كما يمكن لسوريا أن تفعل ذلك. بالتالي، هناك الكثير من التغييرات العميقة التي تحدث".
وقبل ذلك لفت ما كشف عنه أحد نواب الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور خلال مداخلته في جلسة منح الثقة للحكومة من "أن الإدارة الأميركية الحالية ستدفع في اتجاه الصلح مع إسرائيل، وقد فاتحت مسؤولين لبنانيين أساسيّين وشخصيات كبيرة في لبنان بهذا الأمر، الذي تمّ رفضه". وعقب أبو فاعور على هذه "المفاتحة بالقول إنه "لا يستبعد أن يتمّ فرض الصلح مع إسرائيل على لبنان الرسميّ"، مؤكداً "أن المكوّنات الرافضة أكبر بكثير من تلك الراغبة"، محذّراً من أن يخلق هذا الموضوع أزمةً داخليّةً كبرى، قد تقود إلى صدامٍ بين اللبنانيين.
ومن هنا تتخوف أوساط رسمية وسياسية من أن تتم إعاقة العهد للبنان الجديد وحكومته باستعجال واشنطن إلى فرض هذا "الصلح مع إسرائيل عبر ممارسة ضغوط كبيرة على لبنان من أبواب مختلفة أبرزها تأخير إعادة إعمار ما هدمته إسرائيل وهو ما بدأت تظهر إرهاصاته داخليا عبر كلام بعض القوى السياسية اللبنانية من أن الإعمار لن يحصل إلا بعد تطبيق الإصلاحات وتنفيذ القرار الدولي 1701 بكل مندرجاته حصرية امتلاك السلاح وقرار الحرب والسلم والسيطرة على الحدود والمعابر وضبطها نهائياً،فضلا عن حديث البعض عن "إزالة النفوذ الإيراني" من لبنان.
وكان اللافت في هذا السياق أيضًا قول النائب الكتائبي سليم الصايغ عن إن "دور إيران انتهى"، وإن "إيران استباحت لبنان ونحن جئنا بالانتداب الأميركي والغربي لمقاومة إيران في لبنان"، الأمر الذي يدل على أن هناك مخططا للمرحلة اللبنانية الراهنة أُعدَّ باتقان بين داخل وخارج، يخشى أن يؤدي إلى معوقات كبيرة داخلية وخارجية تمنع لبنان من التعافي الذي يعد به العهد الجديد وحكومته المشحونة بثقة نيابية مرموقة بلغت 95 صوتا تؤهلها أن تفعل وتنجز كثيرا لما احتواه برنامجها الوزاري في حال أحسنت الأداء من خلال الكفايات المهنية والعلمية التي يتمتع بها وزراؤها بمعزل عما قد يكون لديهم من أهواء سياسية.
والواقع أن القوى السياسية التي تمثلت في الحكومة لديها فرصة كبرى لدفع وزرائها إلى الإنجاز، خصوصا وأنها تقف على أبواب موسمين انتخابيين مهمين هما الانتخابات البلدية في الربيع المقبل والانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة. فالموسم الأول يشكل اختبارا لمدى قوتها التمثيلية بعد كل ما جرى في البلاد يمكنها أن تبني عليه لخوض الثاني الذي على نتائجه سيتحدد حجمها ومدى قوة حضورها في الحياة السياسية المستقبلية.
إلا أنه في حال دخول البلاد في خلافات داخلية في حال استمرار البعض في التعاطي مع فريق لبناني على أنه هزم وعليه أن يتنازل ويخضع، في موازاة استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية وإصرار بعض القوى الخارجية، وبعض القوى الداخلية أيضا، على جر لبنان إلى "صلح" أو "تطبيع" مع إسرائيل، فإن كل ذلك سيعوق العهد وحكومته ويُدخل لبنان في طور جديد من الأزمة قد يكون أشد فتكا به ما سبقه، فتتحول الحكومة معه في هذه الحال إلى حكومة إدارة أزمة، خصوصا إذا تأخرت ورشة إعادة الإعمار والمساعدات المطلوبة لها.
ولذلك فإن العين على الحكومة كيف ستتصرف بعدما نالت الثقة، وكيف ستواجه الضغوط لفرض "الصلح" أو التطبيع مع إسرائيل، وهل ستتمكن من استكمال الانسحاب الإسرائيلي مما تبقى من أراض احتلت في خلال العدوان الإسرائيلي الاخير؟ وهل ستقدم لها الولايات المتحدة الأميركية الدعم الذي تعد به وهي التي رعت إعادة إحياء المؤسسات الدستورية اللبنانية وإنهاء الفراغ المقيم فيها منذ خريف العام 2022؟
هي أسئلة كبيرة تحتاج إلى أجوبة أكبر عليها يتحدد معها مصير لبنان، فلننتظر لنرى: هل سيكون لبنان أولاً كما يريد لبنان، أم سيكون "الصلح والتطبيع" أولاً كما تريد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؟.