دانا الأشقر - خاصّ الأفضل نيوز
يُعَدّ العمل البلدي العمود الفقري لأي مجتمع يسعى لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الشامل. إنه لا يقتصر على تقديم الخدمات الأساسية فقط، بل يتعدى ذلك ليكون أداة محورية لبناء روابط اجتماعية متينة وتعزيز المشاركة المجتمعية الفعّالة.
يعتمد تقسيم البلديات داخل كل بلدة على عدة معايير قانونية وتنظيمية تهدف إلى تحقيق تمثيل عادل للسكان وتوزيع متوازن للموارد والخدمات. فوفقًا لقانون الانتخابات، يتم تحديد عدد المقاعد البلدية بناءً على حجم السكان، مما يضمن تمثيلًا أكثر دقّة للمجتمعات المحلية. في هذا الإطار، يمكن توضيح طريقة التقسيم بناءً على معايير متعددة، حيث يُعدّ التقسيم البلدي وفق عدد السكان خطوة أساسية لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع المحلي.
ففي مدينة صور، يتشكّل المجلس البلدي من ٢١ عضوًا، موزّعين على ١٣ عضوًا من الطائفة الشيعية، ٤ أعضاء من الطائفة السنية، و٤ أعضاء من الطائفة المسيحية (١ ماروني، ٢ روم كاثوليك، ١ روم أرثوذكسي). يتم انتخاب هؤلاء الأعضاء من قبل المواطنين وفقًا للقوانين المحلية، وتختلف المهام والمسؤوليات التي يقوم بها كل عضو حسب تنظيم المدينة واحتياجاتها.
التحالفات الانتخابية في صور: توازنات بين الأحزاب والعائلات
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، أدارت الأحزاب والعائلات محركاتها وبدأت بخطوات تنسيقية بين القوى السياسية والعائلية لدعم المرشحين. وتُعدّ القوى الحزبية الفاعلة من العوامل الأساسية في تشكيل التحالفات الانتخابية.
ومن أبرز هذه القوى: حزب الله، الذي يلعب دورًا كبيرًا في دعم مرشحيه وتأمين قاعدة جماهيرية واسعة، مستفيدًا من تنظيمه الجماهيري وقدرته على تعبئة الناخبين.
وتملك حركة أمل نفوذًا قويًا في المدينة، حيث تعمل على دعم مرشحيها من خلال التنظيم والتمويل لضمان حضورها الفاعل في المجالس البلدية.
في المقابل، يحافظ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على وجودهما في المدينة، رغم عدم كونهما القوة الكبرى، ويسعيان للتأثير على الانتخابات عبر دعم مرشحين.
كما لا يمكن إغفال دور أحزاب أخرى مثل الحزب الشيوعي اللبناني، والحزب السوري القومي الاجتماعي، اللذين يشاركان في العملية الانتخابية ويعبّران عن رؤيتهما. علاوة على ذلك، لا تقتصر الانتخابات البلدية على التنافس السياسي فحسب، بل تمتد جذورها إلى الروابط العائلية العميقة التي تُشكّل وجدان المجتمع وهويته.
ومن بين العائلات الأكثر تأثيرًا، عائلة البحر (من الطائفة الشيعية)، التي تستمد نفوذها من حضورها العريق في المدينة، حيث تُشكّل ركيزة اجتماعية وسياسية لها تأثير مباشر على مجريات الانتخابات.
كذلك، تحافظ عائلة قدادو (من الطائفة السنية) على موقعها البارز، مستندة إلى إرثها العائلي في تحشيد المؤيدين والدفاع عن مصالحها في الساحة. أما عائلة مبيّض (من الطائفة المسيحية)، فتظل جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي للمدينة، بحيث تلعب دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الانتخابي، وتسعى إلى الحفاظ على مكانتها في قلب التوازنات المحلية.
استعدادات "أمل" للانتخابات البلدية
في إطار الاستعدادات للانتخابات البلدية، تُعزّز حركة أمل دورها الاستراتيجي عبر تحضير مكثف وتنظيم فعاليات لزيادة الوعي السياسي ودعم قاعدة شعبية واسعة.
وتعليقًا على ذلك، أكّد عضو قيادة "حركة أمل" في إقليم جبل عامل، والمسؤول الإعلامي علوان شرف الدين، أن التنسيق بين حركة أمل وحزب الله قائم بشكل مركزي ويشمل مختلف المناطق. وفيما يخص انتخابات ٢٠٢٥، أشار شرف الدين إلى أن التنسيق بين "أمل" و"حزب الله" قد بدأ منذ شهر رمضان، مع الأخذ في الاعتبار الاتفاقات السابقة التي تقوم على الشراكة بين الحزبين في تنظيم الانتخابات والوصول إلى تزكية مرشحين دون الحاجة إلى إجراء عملية انتخابية، وذلك بهدف تخفيف الضغط عن الدولة والمواطنين.
وأكد شرف الدين أن اختيار الأعضاء يتم بالتشاور مع العائلات أو بناءً على ترشيحهم لأشخاص ذوي كفاءة وقدرة على أداء المهام. كما أوضح أنه خلال الاجتماعات المنعقدة قاموا بمراجعة شاملة للتجارب الانتخابية السابقة، حيث شكّلت هذه المراجعة فرصة مهمة،إلى جانب ذلك، ذكر أن من أبرز الدروس هي أهمية التنسيق بين القوى الحزبية والعائلية لضمان تمثيل عادل للجميع. كما شدد على ضرورة تحسين عملية التواصل مع الناخبين، والتأكد من أن المشاريع الانتخابية تكون مرتبطة بشكل وثيق باحتياجات المجتمع المحلي.
بالإضافة إلى ذلك، ولتفادي أي خطأ، أشار علوان إلى أن تقع على عاتقهم كحزب سياسي مسؤولية مباشرة في تحسين الأداء البلدي، وذلك من خلال اختيار الأعضاء الأكثر كفاءة وإنتاجية، مع الحرص على تجنب أي محاصصة قد تؤثر سلبًا على العمل البلدي.
القومي السوري ومحاولة تثبيت الحضور
على المقلب الآخر، يواصل الحزب السوري القومي الاجتماعي تعزيز حضوره السياسي من خلال مشاركته الفاعلة ورؤاه الاستراتيجية لخدمة المجتمع والاستقرار الوطني.
ولهذه الغاية، أوضح مسؤول الحزب في صور الدكتور ناصر أبو خليل أن الإقطاع السياسي يعزّز هيمنة الشخصيات السياسية من خلال تشكيل لوائح مشتركة مع الأحزاب، مما يُهمّش دور الناخبين ويُحسم الفوز مسبقًا لصالح الأكثريّة. وهذا الواقع يعزّز الإحباط ويدفع الكثيرين للعزوف عن المشاركة، معتقدين أن النتائج معروفة سلفًا.
وشدد أبو خليل على ضرورة اعتماد التمثيل النسبي في قانون الانتخاب، مع انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، مما يقلل من هيمنة الأحزاب الكبرى والإقصاء السياسي. كما يشجّع أبو خليل إقامة "بلدية الظل" لمراقبة عمل المجلس البلدي والضغط عليه لتنفيذ مشاريع إنمائية.
تجربة بلدية صور
يعمل المجلس البلدي على إدارة المدينة وتخطيط مشاريع التنمية المستدامة، مع التركيز على القطاعات المتناسبة مع طبيعة المدينة ومواردها، بالإضافة إلى تشجيع استثمار القطاع الخاص من خلال توفير البنية التحتية اللازمة وفق خطة تنموية شاملة.
من هنا، أشار رئيس بلدية صور ورئيس اتحاد بلديات قضاء صور، حسن دبوق، إلى أن العمل العام يحمل في طيّاته النجاح والإخفاق، مشيرًا إلى أن تجربته كانت مزيجًا من الأمرين. فحيث توفرت عوامل النجاح، تحقق التقدم، وحيث غابت، تعذّر تنفيذ الخطط، وذلك بسبب نقص التمويل أحيانًا، أو بسبب معارضة بعض الجهات لسياسات البلدية بدافع المناكفات السياسية والمصالح الضيقة، كما حدث في مشاريع مثل تأهيل منطقة الجمل وتوسعة كورنيش الرئيس نبيه بري.
وأضاف دبوق أن أبرز المشاريع التي تم تنفيذها خلال ولايته شملت إكمال مشروع الإرث الثقافي بتأهيل ساحة الميناء، ساحة القسم، والأسواق القديمة بتمويل دولي، بالإضافة إلى بناء المركز الجديد للبلدية بتمويل من مجلس الجنوب. كما تم تأهيل جزء من الحديقة العامة، وإنشاء ملاعب جديدة، وتجديد آليات البلدية عبر هبات دولية.
ورغم التحديات التي فرضتها الأزمة المالية وجائحة كوفيد-19، استطاع دبوق الحفاظ على إدارة فعّالة بفضل التعاون المستمر مع الموظفين ودعم أعضاء المجلس البلدي، مما أسهم في تحقيق إنجازات استثنائية لصالح المدينة وأهلها.
في المحصّلة:
تمثل الانتخابات البلدية في صور فرصة مهمة لتعزيز الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية المستدامة، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها الأزمات الاقتصادية والأمنية. وفي هذا السياق، تُظهر تجارب الانتخابات السابقة ضرورة التوازن بين المصالح السياسية والعائلية، حيث يمكن الاستفادة من الدروس المستخلصة لتحسين الأداء البلدي في المستقبل.