محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
بعد سنوات من القطيعة والتوتر، عادت العلاقات الإيرانية - السعودية إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، هذه المرة تحت شعار التهدئة والانفتاح، لا المواجهة، بعد استئناف العلاقات بين الرياض وطهران في آذار 2023، برعاية صينية، والذي لم يكن مجرّد اتفاق دبلوماسي، بل تحوّل استراتيجي قد يعيد رسم التوازنات في الشرق الأوسط بأسره، تأتي زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران وتسليم المرشد علي الخامنئي رسالة "ملكية".
منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخلت العلاقات بين البلدين نفقًا من التنافس الإقليمي الحاد. تعدّدت ساحات الاشتباك: من لبنان إلى العراق، ومن اليمن إلى سوريا، حيث وقف كل طرف خلف قوى محلية متخاصمة. العقود الثلاثة الماضية شهدت موجات تصعيد سياسي وإعلامي وأمني، بلغ أقصاها مع قطع العلاقات في 2016 إثر الهجوم على السفارة السعودية في طهران.
لكن الديناميات تغيرت، فالمملكة، بعد "رؤية 2030"، بدأت تعطي الأولوية للاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي، وإيران، المثقلة بالعقوبات والصراعات، رأت في الانفتاح على السعودية فرصة لفك العزلة. هكذا، وُلد اتفاق بكين، كخطوة أولى نحو تبريد الجبهات، واستمرت العلاقات ولو بشكل بطيء بعد عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب في المنطقة.
لبنان في قلب التأثير: ماذا يعني التقارب لطرف يعاني؟
لبنان، الممزق سياسيًا واقتصاديًا، كان دائمًا أحد ساحات الاشتباك غير المباشر بين إيران والسعودية. كل بلد دعم حلفاءه ضمن النظام اللبناني الطائفي المعقّد:
السعودية دعمت قوى 14 آذار والمكوّن السني، فيما وقفت إيران إلى جانب حزب الله وحلفائه. تحسن العلاقات الثنائية يعني احتمال خفض حدة الصراع بالوكالة في لبنان، وفتح الباب أمام تسويات داخلية، وبحسب مصادر سياسية بارزة هذه هي أبرز الانعكاسات الممكنة:
أولاً: استقرار سياسي ممكن، إذ قد يشكّل التقارب دفعة للحوار الوطني وتليين المواقف المتصلبة بين الفرقاء المحليين، رغم أن مواقف السعودية في لبنان لا تزال رافضة لأي تعاون مع حزب الله.
ثانيًا: احتمال تحريك العجلة الاقتصادية. عودة الحرارة إلى خط الرياض-بيروت قد تعني دعمًا سعوديًا مباشرًا، ماليًا أو عبر صندوق النقد الدولي، بشرط تنفيذ إصلاحات جدية. كذلك، تخفيف التوتر الإقليمي قد يُطمئن المستثمرين ويعيد الثقة بالبيئة اللبنانية.
ثالثًا: انعكاسات أمنية إيجابية طالما أن الصراع الإقليمي يغذي الاشتباك الداخلي، فإن أي تهدئة بين القطبين الكبيرين تنعكس على تراجع التوتر الأمني، خصوصًا في الجنوب اللبناني وعلى الحدود مع إسرائيل، حيث تنشط حسابات إقليمية أكثر من محلية.
لا شكّ أنَّ التقارب الإيراني – السعودي مفيد للبنان بالمطلق، ومطلوب من كل المنطقة، ولكن التحديات لا تزال قائمة، كما تقول المصادر، فالعدو الإسرائيلي لا يُناسبه اللقاء والتعاون، وكان واضحاً بذلك عندما انتقد الزيارة السعودية لإيران، لأن هذا العدو عمل طوال السنوات الماضية على تصوير إيران كعدو للعرب، وأنه الضامن لأمنهم ومستقبلهم، وهو ما سقط خلال الأشهر الأخيرة حيث استفحل الإسرائيلي بتدمير دول المنطقة، ويهدد دول الخليج، ويرفض قيام دولة فلسطينية أو حتى النقاش في هذه المسألة.
أما في لبنان، فالمعادلات الداخلية لا تزال معقدة جدًا، والانقسام بين مشروعين متناقضين لم يُردم بعد، والأهم، أن أي تقارب سعودي-إيراني لن يصنع معجزة إذا لم تتوفر الإرادة الداخلية اللبنانية على إعادة بناء الدولة.