كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
مرّ اليوم العالمي لحقوق الطّفل مثله مثل أيّ يوم آخر. ففي 20 تشرين الثاني من كلّ عام يُفترض أن يتوقّف العالم لحظةً واحدة أمام حقيقة أنّ الأطفال ليسوا تفصيلاً بل جوهر الحاضر وضمانة المُستقبل. في هذا اليوم، اعتمدت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة إعلان حقوق الطفل عام 1959 واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، ويجتمع العالم فيه لإحياء صوت الفئات الأكثر هشاشة وهم الأطفال. وفي عامنا هذا، تحلّ المناسبة بينما يعيش ملايين الأطفال في مناطق النزاعات من دون حماية كافية ولا قدرة للحصول على خدمات أساسيّة مثل التعليم والرعاية الصحية والمأوى والغذاء.
ماذا عن أطفال لبنان؟ عندما ننظر إلى الوضع في بلدنا، نرى صورةً موجعة و"خشنة" حيث بات الصّغار أكبر من عمرهم بكثير. لا مكان في لبنان لحقوق الطّفل، فالإنسان عموماً يفتقر إلى أدنى مقومات العيش وسط المعارك اليوميّة التي يخوضها بحثاً عن لقمة العيش والطبابة والدواء، فكيف الحال إذاً بالنّسبة إلى الطّفل؟
هذا الطّفل يحتاج إلى تدخّلٍ عاجل لضمان توفير الحدّ الأدنى من حقوقه، وفي لبنان تحديداً يحلم ملايين الأطفال بالأمان فقط، بليلةٍ واحدةٍ من دون خوف ليناموا مطمئنّين.
منذ سنوات، يدفعُ هؤلاء ثمن أزمةٍ ليس لهم أيّ يد فيها. التعليم باهظ الثمن ويتجاوز قدرة الأهل والكلفة ترتفع، الاستشفاء بات رفاهية، واللعب في الشوارع تحوّل إلى خوف دائم من الخطر المحدق في أيّ وقت وليس ليلاً فقط. وبين طفلٍ يعمل ليُعيل عائلته، وآخر ينتظر دوراً في طابور دواء، وثالث يتعلّم في صفٍّ مكتظ أو عبر شاشةٍ مكسورة.. تكبرُ الطفولة بسرعة من دون أن تكبر حقًّا.
الأرقام لا تكذب، فوفق منظمة "اليونيسف" قفزت نسبة الأطفال العاملين من 7 في المئة إلى حوالى 15 في المئة بين عامي 2019 و2024، بعد أن كانت 1.6 في المئة فقط في العام 2009.
ويُعتبر العجز عن الوصول إلى الخدمات التعليميّة بسبب الأزمة المعيشيّة وارتفاع التكاليف مع تدنّي الأجور نسبةً للأسعار والمصاريف، سبباً رئيسيًّا للتسرّب المدرسي وانتشار عمالة الأطفال في الأسواق والورشات والتسوّل، بالإضافة إلى انتشار العنف المنزلي والاجتماعي الذي تُغذّيه الضّغوط الاقتصاديّة والنفسيّة. أين حقوق الطّفل إذاً؟ هذا الواقع المرير يُعرّض أطفالنا للاستغلال والتحرّش الجنسي والعنف الجسدي واللفظي، بالإضافة إلى عددٍ كبير من المخاطر الصحيّة المُزمنة والإصابات الجسديّة والاضطرابات النفسيّة التي يصعب التّعامل معها.
ماذا نحتاج فعلاً؟ لسنا بحاجة إلى شعاراتٍ كبيرة ولا احتفالات موسميّة ولا أيام عالميّة "نبكي ونندب فيها"، بل نحتاج إلى خطواتٍ بسيطة لكن ثابتة: قطاع تعليميّ قويّ يستعيد دوره، نظام صحّي وطني يحمي الأطفال قبل أن يُسجّلهم في الطوارئ، تشريعات تُطبّق فعليًّا ضدّ عمالة الأطفال والاستغلال، مساحات لعب آمنة داخل المدن والبلدات، دعم نفسيّ حقيقي وإرادة سياسيّة تعتبرُ الطفل أولويّة "مش بند على الورق".
فالطّفولة ليست أرقاماً ولا تقارير. هي ضحكة ووقت مستقطع من العالم. وها نحن نخسر هذه اللوحة الجميلة والبريئة في لبنان وسط الحروب والأزمات والتلهّي بالشعارات الرنانة.
وعندما نتكلّم عن حقوق الطّفل، لا نقصد أموراً كبيرة. أين يلعب الطّفل اللبناني اليوم؟ في أحياء ضاقت بالسيارات أم في شققٍ صغيرة تحوّل اللعب فيها إلى إزعاج وصراخ؟ أم خلف شاشاتٍ باتت تنتشلهم من الواقع بدل أن تمنحهم وقتاً ممتعاً؟ حتى الأمان، وهو أبسط حقوق الطفل، أصبح تحدّياً وأملاً صعب المنال، انطلاقاً من السلامة على الطرقات إلى العنف الأسري، ومن مخاطر الاستغلال إلى غياب الرقابة، كلّها تُهدّد هذا الحقّ الأساسي.
وفق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تُعدّ اتفاقية حقوق الطفل المعاهدة التي حصدت أكبر عدد من التصديقات في التاريخ، وهذه الاتفاقية التي مضى على توقيعها 36 عامًا حتى اليوم، تؤكد حقيقة بسيطة: "عندما نوفّر الحماية لأصغر أفراد الأسرة البشريّة، ننجح في بناء عالمٍ أفضل. ولكن في الوقت الراهن، تتعرّض حقوق الطفل لهجومٍ مباشر وتضيع فرص التعلم بسبب الفقر وحالات الطوارئ، كما تهدّد الفوضى المناخيّة مستقبل الأجيال القادمة. وثمة أخطار جديدة كامنة في عالم الإنترنت، وبات الكثير من الأطفال يعانون من أعباء تفوق أعمارهم بكثير فيُجبرون على كسب العيش أو رعاية الأشقاء. وبسبب المجاعة والحرب، حُرم الآلاف من أبسط الحقوق الأساسية، ألا وهو الحق في الحياة".
في هذا اليوم العالمي للطفل، دعونا نصغي إلى الأطفال ونُعطي صدى لآرائهم وهم يدافعون عن حقوقهم. فالمُستقبل مرهونٌ بما نقدّمه من رعايةٍ للجيل القادم، وعلينا أن نتكاتف من أجل بناء عالمٍ آمنٍ وعادلٍ لكلّ طفل، وفق ما تؤكّد الأمم المتّحدة.

alafdal-news
