هالة جعفر - خاص الأفضل نيوز
يتعرض المعلم اليوم في لبنان للعديد من الإنتكاسات على المستوى المهني، لكن رغم صعوبات هذه الظروف، لا يزال يسعى إلى بناء مجتمع متعلم ومتحضر. تُعتبر مهنة التدريس من أصعب المهن، يُنتج المعلم أجيالاً من الأطباء والمهندسين والعلماء والفلاسفة. ومن هنا عظمة المُعلم الذي يستطيع أن يمنح شرف الطالب بالتفوق عليه. إنه الشخص الذي يحمل على عاتقه تنوير مجتمع بأكمله. لكنه اليوم أصبح مهمشاً في وطننا لدرجة أنه لم يعد لديه القدرة على التحمل لإكمال طريق العطاء بسبب الوضع الإقتصادي المرير الذي يمر به. نشهد اليوم عدداً كبيراً من المعلمين الذين ينتظرون فرصهم في الخارج للحاق بذويهم. وهذا يتطلب منا أن نسأل أنفسنا سؤالاً هاماً: كيف نبني دولة ناجحة في ظل فشل الدولة في إعطاء المعلم الحق الطبيعي الذي يجعله يمارس مهنته دون ضغوط نفسية تؤثر على الطلاب بشكل غير مباشر.
من هذه المقدمة، سوف أنتقل إلى إخفاقات المعلم، والتي غالباً ما لا ننتبه لها، وليس حول إمتيازاته التي بات يعرفها الجميع.
لا يقتصر نجاح المعلم على كفاءته الأكاديمية وتحصيله التعليمي فقط، حيث يوجد العديد من المعلمين الحاصلين على شهادات وتقديرات عالية في تحصيلهم العلمي، لكنهم غير قادرين على إثبات ذلك داخل الفصل، من خلال إستمالة التلميذ لهم ولموادهم التعليمية. عندما تريد أن تسأل أحد ما عن معلم كان له شخصية خاصة في ذاكرتنا ولا يمكن نسيانها، فغالباً ما تكون الإجابة عن مدرس أحبه وثانياً كرهه. إن فعل كره المعلم ليس بالشيء الطبيعي الذي يمكننا التغلب عليه، بل هو من أصعب الأشياء التي لا يمكن تخطيها، خاصةً في القرن الحادي والعشرين.
من منا لم يشهد أثناء دراسته حادثة سيئة مع معلم أو ربما مع أحد زملائه في الفصل؟
هناك العديد من القصص المشابهة التي نسمعها أو نتذكرها مع أصدقاءنا حول هذا الموضوع، على سبيل المثال، مدرس يتنمر على طالب\ة ويتذمر منه\ا في الفصل أمام أصدقائه، ومعلم كنا نظن أنه المعلم المثالي لأنه أعطانا نصف ساعة من وقته للعب والتسامر مع زملائنا بعد أن أنهى الدرس في أقل من نصف ساعة مستخدماً طريقة القراءة دون تفسير.. كم عدد المعلمين الذين يتحدثون إلى طلابهم بغيظ، وكم عدد غير القادرين على التحكم في أعصابهم من جراء رواسب الضغوط الخارجية.
هناك الكثير من الناس الذين لا ينسون المعلم الصعب الذي كان سبب كرههم للمدرسة أو لمادة تعليمية، وكم عدد الذين غيروا مدارسهم نتيجة أسلوب المعلم الذي يُحبط طلابه الراسبين دون أن يزودهم بالتحفيز والتشجيع حتى يتمكنوا من التغلب على مادة تصعُبُ عليهم. كم عدد المدرسين الذين يستخدمون طريقة الشتائم والضرب والقصاص لطلابهم. إذا لم تنجح العلاقة بين المعلم والطالب وإن لم تكن قائمة على أسس متينة وراسخة من حيث الإحترام والمودة والتقدير والكفاءة، فلن تنتج أجيالاً أصحاء قادرة على بناء مجتمع صحي وسليم. إن قبول المعلم ليس فقط مشروطاً بتحقيق نسبة عالية في شهادته، ولكن أيضاً على كفاءة عالية في أداء واجبه الوظيفي بضمير وإخلاص على قدم المساواة بين جميع طلابه. المعلم الحقيقي هو الذي يساعد طلابه ويحفزهم للأفضل. فهو الأيقونة والنموذج الذي يمثله الطالب في حياته المستقبلية، مما يمكّنه من إكتساب المعرفة والإنخراط في مجتمعات أخرى يسعون فيها إلى المعرفة.. المعلم الناجح والمتطور ركيزة أساسية في بناء الوطن، وبدونه لن نتمكن من التقدم خطوة واحدة نحو مجتمع خلاق.