عبدالله قمح - خاص الأفضل نيوز
للمرة الأولى منذ بدء معركة الإسناد لقطاع غزّة في الجنوب بين حزب الله والعدو الإسرائيلي يخرج هذا الأخير ببيان يعلن عبره عن أن "طائراته في صدد تنفيذ سلسلة من الضربات لأهداف في الجنوب". هذا يعني ارتقاء في المعركة يستوجب رداً من جانب حزب الله.
في الشكل فسر البيان على أنه رد فعل على ضربات صاروخية صباحية طالت قاعدة عسكرية إسرائيلية تقع في صفد، المدينة التي تبعد حوالي 25 كلم تقريباً عن الحدود اللبنانية، مع العلم أن الجهة التي نفذت الضربات بقيت مجهولة ولم يصدر عن حزب الله أي بيان يشير إلى مسؤوليته عنها. وثمة من يضع العملية في إطار "الغموض البناء".
في المضمون، جاءت الغارات الإسرائيلية لتحاكي فشل الضغوطات السياسية على الدولة اللبنانية، وهو ما أعلنَ عنه صراحةً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب "يوم الجريح" قبل "موجة" الغارات الإسرائيلية بيوم، وأيضاً فشل المحاولات التي كانت جارية لإخراج حزب الله من منطقة جنوب الليطاني أو إبعاده عن الحدود لمسافة معينة أو إيجاد ترتيبات خاصة بالوضع عند الحدود مع الأراضي المحتلة. كذلك يمكن اعتبار أن الغارات جاءت انتقاماً من الدولة اللبنانية على خلفية رفضها الخضوع للغة الموفدين، مع الإشارة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي ألمحَ إلى مسؤولية الدولة اللبنانية عن الغارات. وثمة من يعتقد أن إسرائيل التي استفزها خطاب نصرالله، تحاول "فرض" توازن معين، بعدما اعتبرت أن مواقف أمين عام حزب الله التي أتت في ظل الحرب تشكل تهديداً غير مسبوق لإسرائيل.
بموازاة ذلك كان موفدون قد نقلوا صراحة أن تل أبيب في صدد توسيع رقعة ضرباتها لتطال مناطق متقدمة إلى الشمال من نهر الليطاني في حال وصلت جولات التفاوض إلى حائط مسدود. استتبع هذا الكلام بموقف منسوب إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون ذكر فيه أنه تلقى "تحذيرات" مصدرها قوات "اليونيفيل" من أن إسرائيل في صدد توسيع رقعة عملياتها العسكرية لتشمل النبطية، سارعت القوات الدولية إلى نفيها. هذا يؤشر إلى أن إسرائيل تحاول الحفاظ على صورتها العسكرية من خلال استغلال حادثة في سياق الارتقاء باعتداءاتها إلى مناطق أوسع، كما أنها تهدف إلى إظهار "نقطة قوة" في مواجهة حزب الله. ولا يمكن تجاهل أنها تجري "عرض عضلات" أمام مستوطنيها الذين أخذوا خلال الفترة الماضية ينتقدون حكومتهم بسبب ضعفها أمام حزب الله.
لكن توسيع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية سيكون محل رد وتوسيع مقابل من جانب حزب الله. السيد حسن نصرالله التزمَ خلال خطاب "يوم الجريح" بـ"توسيع المعركة في حال ذهب العدو نحو التوسيع"، وهذا إنما ينم عن وجود معطى ما لدى الحزب حول نية تل أبيب توسيع رقعة استهدافاتها، مع الإشارة إلى أن الحزب لا بد له أن يجري فحصاً لطبيعة الغارات الجديدة، وماذا استهدفت، ونوع "الأهداف" التي ضربت يعطي انطباعاً عن نوايا العدو منها: هل هي ضربات استعراضية هدفها الضغط أم أنها ذات نوعية عسكرية معينة توحي بمسار الحرب المقبل.
ثمة أمر إضافي، تل أبيب تعلم جيداً مدى قدرات حزب الله وأنه لم يستخدم منها لغاية الآن شيئاً، وهذا له تفسيراته المرتبطة بحسابات لها علاقة بالحرب وأمدها. لكن أي تبديل في القواعد الحالية الحاكمة للحرب سيجر تعديلات من جانب حزب الله، الذي أعطى إشارة واضحة خلال خطاب نصرالله الأخير، من أن العدو سيحتاج إلى فتح ملاجئ لـ"مليون مستوطن وليس مئة ألف" في حال تقرر الذهاب بالمعركة بعيداً.
بموازاة كل ما يحصل تصبح الاحتمالات مفتوحة. ثمة من يشير في بيروت إلى أن توسيع رقعة الاستهدافات يوم أمس "عمل غير دائم وله ظروفه المتصلة بتطورات المفاوضات".
يرتكز أصحاب هذه النظرية إلى موقف سبق وأدلى به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول "استقرار طويل الأمد يجري العمل عليه في الجنوب"، ما يشير فعلياً إلى سريان مفاوضات من خلف الكواليس.
تصبح عندئذٍ الضربات محاولة لتحسين أوراق التفاوض أو شروطه أو إرساء مزيد من الضغوطات.