نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
"تعاملوا مع آموس هوكشتين , كمبعوث شخصي كامل الصلاحيات لجو بايدن , بمرونة . وصول الشيطان , بالنسبة إليكم , إلى البيت الأبيض أفضل من وصول دونالد ترامب" . كلام قيل لبيروت , وقيل لطهران . قيل أيضاً أن الرجل يكاد يكون "ظاهرة ديبلوماسية" في الإدارة الأميركية بعد هنري كيسنجر.
هو أكثر حنكة , وأكثر صدقية , من دنيس روس , بالتكشيرة التوراتية , وكان يضع نجمة داوود في مكتبه في وزارة الخارجية , وأقل خبثاً من اليوت آبرامز , الثقيل الظل بمحاولة إضفاء حالة من المرح على أي مهمة يكلف بها.
الثلاثة من إنتاج اللوبي اليهودي . لكن هوكشتين يختلف عن الاثنين بكونه أكثر واقعية في النظر الى نقاط الضعف الإسرائيلية , دون اللجوء الى "ديبلوماسية المطرقة" . الديبلوماسية الناعمة على أنها الوجه الآخر للقوة الناعمة , مع اعتبار أن اللجوء إلى "القوة العمياء" يعني التموضع على حافة الهاوية.
قليلة جداً الكتابات عنه في الصحف . لكن ما يستشف من الذين التقوا به , يقولون أنه لا يتعامل مع المسائل من ثقب الباب . التعامل البانورامي مع أي مسألة توكل إليه مهمة معالجتها . لهذا يقال أنه قرأ مئات الوثائق , واطلّع على عشرات الخرائط , كما استعاد شريط الأحداث على الجبهة اللبنانية منذ عام 1948 , وحتى اليوم . هكذا لا يستطيع الجانب الإسرائيلي "اصطياده" بذلك الطوفان من المعلومات المركبة والمبرمجة في آن.
من معلومات إعلامية في باريس أن هوكشتين يعوّل على دور تضطلع به الديبلوماسية الفرنسية في إبقاء القنوات مفتوحة مع كل من بيروت وطهران لأن الوضع عند الخط الأزرق بالغ الحساسية . أي خطأ , في أي لحظة , يمكن أن يفضي الى الانفجار الكبير.
لكن الجهات اللبنانية والإسرائيلية المسؤولة على قناعة بأن الخطة التي وضعها المبعوث الأميركي للتوصل الى فهم مشترك لموضوع الحدود , يمكن أن يشكل أرضية مثالية لإطلاق عملية تفاوضية قد تكون معقدة , وشاقة , لكنها يمكن أن تصل بالجانبين الى تسوية ما تحظى بموافقة "حزب الله" الذي يريد تحقيق شيء ما على الأرض اللبنانية.
في هذه الحال , السؤال الذي على طاولة المراجع المعنية " هل سيقبل الحزب بالأفكار التي صاغها المبعوث الأميركي لملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا , وهو الملف الذي يشوبه الكثير من الالتباس ؟".
منذ سنوات قلت لوزير خارجية لبناني " عندما بحث مجلس الأمن في نشر قوات دولية (الأندوف) في الجولان إثر اتفاق فض الاشتباك الذي أعقب حرب 1973 , تم توزيع خارطة على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية حول أماكن الانتشار , وكان واضحاً أن الخارطة تضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا , كيف لم تعترضوا على ذلك في حينه ؟" . كان الجواب الغريب والمستغرب "الخارطة كانت من الصغر بحيث لم نتمكن من تبيّن ذلك" . ماذا كان جرى لو كنا في دولة أخرى , لا في مغارة أخرى ؟
هوكشتين يدرك أن الحكومة الإسرائيلية , وبالرغم من القرع اليومي للطبول , لم تعد تخشى على الحدود فحسب . على الوجود أيضاً . هنا اللحظة المثيرة . أن تفرغ إسرائيل من الإسرائيليين.
الأميركيون , وكذلك الأوروبيون , نقلوا توجسهم الشديد لبنيامين نتنياهو الذي بات رهين الكرسي , ولو كان الكرسي الكهربائي , ليبقى السؤال هل أن المفاوضات التي تجري على قدم وساق , تتوخى إرساء قواعد الحماية للأمن الإسرائيلي , أم بلورة تعهدات بعدم تعليق زعيم الليكود من قدميه ؟
المئات من كبار الضباط , وكذلك المسؤولين في الأجهزة الأمنية يحمّلونه مسؤولية التصدع الداخلي , وهو التصدع البنيوي , الذي انعكس بصورة كارثية إن على أداء الجيش الذي يقاتل داخل المتاهة ـ وهذه نقطة الضعف القاتلة في الوضع الإسرائيلي , أو على أداء الأجهزة الأمنية التي أخفقت في الكشف عن الاستعدادات الضخمة التي قامت بها حركة "حماس" لتنفيذ عملية "طوفان الأقصى" , ليشكل ذلك الفضيحة ذات الأجراس , كما الأفعى ذات الأجراس.
آموس هوكشتين لا يختلف , من الناحية "الفلسفية" , عن هنري كيسنجر حيث أفضل أنواع الديبلوماسية تلك التي تجري بين النيران . لعلّ هذا ما يحدث الآن ...