طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
لم يجد عضو كتلة نيابية بارزة تخوض غمار مبادرات في شأن الاستحقاق الرئاسي، غضاضة في القول، وهو خارج من لقاء مع مرجع رسمي كبير، أن لا مشكلة في البلاد مهما تأخر انتخاب رئيس الجمهورية، مؤكدا أن الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي يتحملان المسؤولية ويسيِّران شؤون البلاد، إلى أن يكتب الله أمراً كان مفعولا...
وعندما قيل لهذا النائب أن كلامه هذا يعني "أنَّ الفراغ الرئاسي مستمر إلى أمد طويل"، لم يتردد في تأييد هذا التفسير لكلامه موحياً أن لا انتخاب قريبًا لرئيس الجمهورية وأن الأمر قد يتأخر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية إن لم يكن إلى أبعد من ذلك على رغم من كل ما طرح ويُطرح في شأنه من مبادرات داخلية وخارجية.
والواقع أن الاستحقاق الرئاسي ومنذ بدء الفراغ الرئاسي ما إن يدنو من إمكانية إنجازه بفعل بعض المساعي والتحركات في هذا الاتجاه أو ذاك حتى يعود إلى دائرة التعقيد والتعطيل بدليل فشل الجلسات الانتخابية الـ 12 التي عقدها مجلس النواب منذ أواخر صيف 2022 وحتى حزيران 2023 في انتخاب رئيس لانعدام التوافق بين الكتل النيابية والسياسية على شخص الرئيس العتيد، أو التوافق على خوض السباق الرئاسي بمنافسة جديدة بين مرشحَين اثنين جديين أو أكثر.
على أن كل المبادرات التي طرحت لإنجاز الاستحقاق انهارت الواحدة تلو الأخرى منذ مهلة الستين يوما الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية التي بدأت مطلع أيلول 2022 وسبقت انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول من العام نفسه. وحتى اليوم حيث يكون قد مضى على الفراغ الرئاسي الذي بدأ في الأول من تشرين الثاني 2022 سنة وتسعة أشهر تقريباً، ويبدو أن عدّاد أيام هذا الفراغ مستمر على غاربه.
ففي البداية سقطت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي قضت بعقد حوار بين الكتل النيابية المختلفة للاتفاق على مواصفات رئيس عتيد للجمهورية ليتطور الأمر بعد ذلك إلى الاتفاق على مرشح ويتم انتخابه فور إعلان التوافق عليه، أو ترك المجال لمرشحين اثنين أو أكثر تنطبق عليهم المواصفات التي تكون طاولة الحوار قد حددتها ومن ثم الذهاب إلى انتخاب أحدهم رئيسا للجمهورية بالتنافس الديموقراطي. لكن لا طاولة حوار تم الاتفاق عليها ولا الحوار قُبِل من حيث المبدأ أو اتفق عليه، ولا انتُخب رئيس بالتوافق أو بالتنافس على مدى الجلسات الانتخابية الـ12 التي كان آخرها جلسة 13 حزيران 2023 التي لم يدعُ رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدها حتى الآن إلى أي جلسة جديدة مؤكدا أنه لن يدعو بعد الآن إلا إلى جلسة تكون ناجزة، خصوصا وأنه وجد أن تصرفات بعد الكتل والنواب خلال تلك الجلسات إساءت إلى هيبة المجلس كهيئة ناخبة وكسلطة تشريعية هي مصدر كل السلطات.
على أنه كان يمكن للجلسة الـ12 أن تكون ناجزة لو أنها استمرت في الدورة الاقتراعية الثانية بنصابها القانوني (أكثرية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، أي 86 نائبا) لأنها شهدت تنافسا ديموقراطيا بين المرشحين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، حيث نال الأول تأييد 51 صوتا مقابل نيل الثاني 59 صوتا. لكن تطيير النصاب القانوني، وهو حق دستوري لمن يشاء من النواب والكتل، حال دون انتخاب أي من فرنجية وأزعور.
وبعد مبادرة بري سقطت المبادرة الفرنسية عندما كانت فرنسية بحتة وقامت على معادلة سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية مقابل نواف سلام رئيسا للحكومة ثم سقطت عندما صارت خماسية عربية – فرنسية – أميركية وطرح بموجبها ما سمي بالخيار الثالث، باستبعاد جميع المرشحين المطروحين وتحديدا فرنجية وأزعور وقائد الجيش العماد جوزيف عون.
ثم كانت مبادرات أخرى بعضها معلن وبعضها الآخر مضمر لاقت المصير نفسه ولا سيما منها مبادرة تكتل "الاعتدال الوطني" التي سقطت على رغم مكابرة بعض أعضاء التكتل وحديثهم في الآونة الأخيرة عن توجه إلى "تطويرها" بالتشاور مع بري وسفراء المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية. ولكن طغت عليها فجأة مبادرة "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بدفع من والده الرئيس السابق لـ"اللقاء" ولـ"الحزب" وليد جنبلاط، العائد قبل أسابيع قليلة من زيارتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة. ولكن مبادرة اللقاء لم تحقق نتائج ملموسة بل إنها اصطدمت بالعقبات نفسها التي واجهت سابقاتها، مع فارق أنها تتبنى مبادرة بري الحوارية تماما كتبني تكتل "الاعتدال الوطني" لهذه المبادرة ولكن من دون إعلان مباشر.غير أن "اللقاء" ما زال يواصل جولاته وزياراته لبري ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وللكتل النيابية والسياسية الأخرى. ولكن يجمع كثيرون على أن أهمية مبادرتي هذين التكتلين النيابيين تكمن في أنهما في رأي البعض "نسخة منفتحة" لمبادرة بري التي لم يعترضا أصلا عليها أو يعطلاها لكن من عطلها بداية واعترض عليها كان "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" مشفوعين بتأييد كتل صغيرة وبعض النواب الذين يسمون أنفسهم "تغييريين".
إلا إنه بعد فشل مبادرة المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، يقول البعض، أيقن الجميع بأن مبادرة بري كانت ولا تزال هي الأصلح والممر الأنسب لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ولذلك سارع التيار إلى زيارة بري ليبلغ إليه تأييده لها ولو عبر طرح مبادرة تلاقيها، ملتحقا بكل الكتل التي أيدتها ليقتصر معارضوها في ضوء كل ذلك على "القوات اللبنانية" وبعض النواب "التغييريين"، إلى درجة أن كتلة اللقاء الديموقراطي باتت تحمل لواء الدفاع عن مبادرة بري حيث نقلت عنه على لسان النائب وائل أبو فاعور إثر زيارتها لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي برئاسة النائب تيمور جنبلاط قبل أيام قوله، أي بري، أن "لا مصلحة في شيطنة الحوار ورجمه خصوصا وأن لدينا تجارب حوارية منتجة على امتداد التاريخ اللبناني أدت كثيرًا من الأغراض الوطنية، ولا مصلحة أيضاً في اجتزاء الحوار أو انتقاص النصاب الوطني الذي يجب أن يكون نصابا مكتملا في أي حوار ".
وقد نقل عضو "اللقاء الديموقرطي" النائب وائل أبو فاعور عن بري قوله إثر زيارة الكتلة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الخميس الماضي.
وقد عكس أبو فاعور في كلامه أن ما يقوم به اللقاء الديموقراطي هو تمامًا ما عجز الموفد الفرنسي جان ايف لودريان عن القيام به وهو الاتصالات الثنائية والثلاثية، اذ قال ابو فاعور "لن نوقف مسعانا، لا زلنا نبحث من خلال اتصالات ثنائية وثلاثية مع الكثير من الأطراف المؤثرة والكتل النيابية لبعض الحلول التي يمكن أن تخرجنا من المأزق الحالي، كذلك لا مصلحة في الانتظار، وأقول هذا الكلام في ما خص الاستحقاق الرئاسي، إذا لم أقل الرهانات على أحداث الجنوب وانتظار ما يمكن أن تؤول إليه هذه الأحداث وما يمكن أن تنتجه التوازنات الداخلية".
ويكشف قطب نيابي في هذا المجال أن لودريان كان طرح خلال زيارته الأخيرة أن تحصل هذه اللقاءات والاتصالات الثنائية والثلاثية بين الأفرقاء اللبنانيين برعايته على أن يتوّجها في النهاية بلقاء واحد فقط يذهب بعده الجميع إلى جلسة انتخابية تتخللها دورات اقتراعية ولا ترفع الجلسة إلا بعد انتخاب الرئيس، ولكن لودريان فشل في اقناع من التقاهم بهذا السيناريو ليذهب إلى بري ويبلغه أن المجموعة الخماسية تؤيد مباردته ومستعدة بما تملك من إمكانات لمساعدته على تنفيذها. وكان هذا الموقف كافيا لبري لكي يدرك أن مهمة لودريان باءت بالفشل، وكذلك مهمة المجموعة الخماسية برمتها.