طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
تجمع الأوساط المتابعة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يقرر شن حرب واسعة على لبنان من عدمها قبل زيارته لواشنطن في 24 من الجاري لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي والالتقاء مع من سيلتقيهم هناك من مسؤولين في الإدارة الأميركية وخارجها.
لكن في انتظار ذلك لن يوقف نتنياهو وتيرة حربه على غزة والجنوب لاعتقاده أن هذه الحرب كلما طالت كلما "تخلخلت" قوى حركة "حماس" وأخواتها في غزة وقوى حزب الله وحلفائه على الجبهة الشمالية. ولذلك سيواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته الميدانية في غزة مرفقة بالاستمرار في الغارات الجوية مرتكبًا مزيدًا من المجازر اليومية بحق الفلسطينيين وكذلك في حق القرى والبلدات الجنوبية، وفي العمق اللبناني أحياناً، محاولاً تدمير منطقة جنوب الليطاني التي يطالب بانسحاب المقاومة منها في أي ترتيبات أمنية مستقبلية في إطار القرار الدولي 1701 الذي يقوم الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين بوساطة لتنفيذه بين لبنان وإسرائيل.
وفي اعتقاد المتابعين أن إسرائيل وفي انتظار قرارها بتوسيع نطاق الحرب من عدمه ستواصل عملياتها الجوية بالطيران الحربي حينا وبالطيران المسيّر أحيانا، لاغتيال مزيد من قادة المقاومة الميدانيين سواء في غزة أو في الجنوب وأي مكان في العمق اللبناني، مثلما فعلت أخيرا عندما اغتالت القيادي في المقاومة ميثم العطار في منطقة بعلبك وهي تفعل الشيء نفسه ضد قادة حركة "حماس" الميدانيين في قطاع غزة.
مماطلة وتسويف
لكن، يضيف هؤلاء المتابعون، من الآن وحتى زيارة نتنياهو لواشنطن وعودته منها يتوقع حصول مزيد من التطورات الميدانية خصوصا على مستوى المفاوضات الجارية في الدوحة والقاهرة بين إسرائيل و"حماس" بوساطة الأميركيين والمصريين والقطريين للتوصل إلى وقف للنار وتبادل الأسرى والمعتقلين في ظل توقعات تشير الى أن نتنياهو سيظل يماطل ويسوّف ولن يتخذ أي موقف عملي قبولاً أو رفضاً إلا بعد زيارته لواشنطن.
إلا أن الحرب التي يلوح بها نتنياهو وحكومته ليست بالسهولة التي يريدها لأنها لن تقتصر على جبهة الجنوب اللبناني فقط وإنما ستتوسع لتشمل المنطقة كلها، إذ أن الزمن تغير والدنيا تغيرات بعد عملية "طوفان الأقصى"، فلن تكون المقاومة في لبنان وحدها في هذه الحرب إن وقعت بدليل إعلان وزارة الخارجية الإيرانية غداة فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان برئاسة الجمهورية متغلبا على المرشح المحافظ سعيد جليلي "أن الدفاع عن لبنان مبدأ أساسي لدينا ولا شك في أننا سندعم لبنان في مواجهة أي اعتداء صهيوني". وقالت الوزارة أيضا "أن على النظام الصهيوني أن يدرك عواقب أي مغامرة قد يقوم بها في المنطقة وخصوصا تجاه لبنان"، وأكدت أن "أي اعتداء على لبنان سيشكل أرضية لزيادة التوتر في المنطقة ويهدد الأمن والسلام فيها".
إيران تقطع الشك باليقين
وإلى ذلك قطع الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان الشك باليقين ومانعا أي تأويل أو تفسير لما سيكون عليه الموقف الإيراني بعد فوز الإصلاحيين في الرئاسة الإيرانية من المقاومة فوجه رسالة إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله قال له فيها: "لقد دعمت جمهورية إيران الإسلامية دائما مقاومة شعوب المنطقة ضد الكيان الصهيوني غير الشرعي. إن دعم المقاومة متجذر في السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومثل الإمام الراحل (رضي الله عنه) وتوجيهات قائد الثورة (دام ظله العالي) سيستمر بقوة".
وفي هذا السياق، يقول مصدر في "محور المقاومة" أن "هذا الموقف الإيراني هو رسالة جديدة توجهها طهران إلى تل أبيب ومن خلفها إلى الولايات المتحدة الأميركية التي عليها أن تدرك أن دعم المقاومة ضد إسرائيل أمر راسخ في عقيدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسياستها الخارجية وهي أول من افتتح سفارة لفلسطين يوم انتصار ثورتها على أنقاض السفارة الإسرائيلية في طهران. كما على تل أبيب أن تدرك مسبقا عواقب أي هجوم يمكن أن تشنه على لبنان بهدف القضاء على حزب الله لأنها ستتدخل لصد هذا الهجوم".
وأكد المصدر "أن التهديد الإسرائيلي لم يعد يخيف أحداً لأن هيبة تل أبيب وقوة الردع التي كانت تمتلك قد انتهت، وبات السؤال المطروح الآن إقليميا ودوليا وحتى على مستوى المجتمع الإسرائيلي هو: هل ما زالت إسرائيل حاجة استراتيجية للقوى الدولية التي أنشأتها لتكون شرطيها في المنطقة؟ وهل ما زال العالم يصدق السردية الإسرائيلية القائمة على مقولة أن "العرب يريدون رمي اليهود في البحر" بعد كل جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ولا تزال في حق الفلسطينيين في غزة والتي تضاف إلى سجل الإبادات السابقة التي ارتكبتها بحقهم وبحق اللبنانيين السوريين والأردنيين والمصريين منذ نشوء كيانها الغاصب عام 1948 وحتى اليوم.
على أن كثيرين بعد "طوفان الأقصى" باتوا يقولون أن إسرائيل ككيان بدأت رحلة السقوط رويدا رويدا لمصلحة عودة فلسطين التاريخية الى أهلها وأمتها العربية، لأن الدولة العبرية لن تتمكن بعد اليوم من الحسم في أي حرب لمصلحتها، بل لأنها كلما أوغلت في الحرب كلما ستتورط أكثر بما يعجل بسقوطها بدليل أنها على رغم إدعاءاتها المتكررة بتقويض حركة حماس القضاء على غالبية كتائبها والسيطرة على قطاع غزة لم تحقق هذه السيطرة منذ أكثر من تسعة أشهر من الحرب وحتى الآن، بل تحول القطاع رمالاً متحركة غرقت فيها حيث تكبدها المقاومة هناك يوميًا مزيدًا من الخسائر في صفوف جنودها وتدمر مزيدًا من آلتها الحربية.
وفي السياق يقول قطب سياسي قريب من المقاومة "أن حزب الله لا يرى حتى الآن أن إسرائيل قادرة على شن حرب الواسعة التي تهدد بها وتلوح، لكنه في كل الحالات قد استعد لها ولكل الاحتمالات على رغم من أنه لا يريدها مثلما لا يريدها آخرون". وكان اللافت هنا ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمة له خلال الليلة الأولى من ليالي عاشوراء من "أننا في مناخ وجو معركة وجو التداعيات المفتوحة على كل الاحتمالات".
ويرى هذا القطب أن احتمال نشوب الحرب مرهون بتصرفات نتنياهو الذي هو من يقدر مدى مصلحته فيها من عدمها تبعا لوضعه الداخلي في ضوء مضاعفات عملية "طوفان الأقصى" والحرب على غزة وجنوب لبنان عليه، فضلا عن مضاعفات ملفه القضائي الذي ارجأت النيابة العامة الإسرائيلية قبل أيام مثوله أمامها في شأنه حتى تشرين الثاني المقبل رافضة طلبه التأجيل حتى آذار 2025 .
ويؤكد القطب نفسه أن مخاطر كثيرة تحوط بحكومة نتنياهو حيث أن الإدارة الأميركية كانت ولا تزال تسعى لإسقاطها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا لاقتناعها بأن نتنياهو يعمل كل ما في وسعه لتمكين حليفه دونالد ترامب من الفوز في السباق الرئاسي على حساب منافسه الرئيس جو بايدن . ولذلك فإن الإدارة الأميركية ستحاول حشر نتنياهو في الزاوية الآن من خلال المبادرة التي طرحتها لوقف الحرب مع غزة وتبادل الأسرى والمعتقلين، وقد ازداد نتنياهو "انحشاراً" عندما وافقت حركة "حماس" على هذه المبادرة على نحو جعلتها "مغرية" ولا يمكنه رفضها، ولكنه قد يواجه إن وافق عليها احتمال انفراط عقد حكومته، لأن وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المال بسلئيل سموتريتش يرفضان عقد وقف النار مع حركة "حماس" جملة وتفصيلا ويريدان استمرار الحرب ضدها حتى القضاء عليها نهائيا وإفراغ قطاع غزة من سكانه، وذلك في إطار تنفيذ مشروع الدولة اليهودية الخالصة على أرض فلسطين التاريخية "من النهر إلى البحر"، خصوصا وأنهما يريدان تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن بدليل قول سموترتيش أخيرا أنه يعمل بقوة لكي لا تكون الضفة الغربية جزءا من أي دولة فلسطينية الآن وفي المستقبل، ما يؤكد فعلا أن الحرب على غزة هي حرب أرادتها إسرائيل لأنهاء القضية الفلسطينية وإنهاء أي شيء اسمه "دولة فلسطين". وقد قال سموتريتش: "اتفاق وقف إطلاق النار المطروح للنقاش هو هزيمة لإسرائيل. وأضاف: "لن أكون جزءا من اتفاق للانصياع لحماس".. وتوجه الى نتنياهو قائلا: " يا رئيس الوزراء، هذا ليس النصر المطلق الذي وعدت به.. سيكون الفشل المطلق. لا تقدموا للسنوار انتصارا كهدية مجانية".
"شبكة أمان"
ويرجح القطب السياسي نفسه احتمال قبول نتنياهو بالمبادرة الأميركية و"مغرياتها" في نهاية المطاف، ما سيضعه في مواجهة مباشرة من بن غفير وسموتريتش اللذين سيخرجان من الحكومة كما يهددان الآن، بديل قول سموتريتش تعليقا على المبادرة المطروحة لوقف النار: "اتفاق وقف إطلاق النار المطروح للنقاش هو هزيمة لإسرائيل. وأضاف: "لن أكون جزءًا من اتفاق للانصياع لحماس".. وتوجه الى نتنياهو قائلا: " يا رئيس الوزراء، هذا ليس النصر المطلق الذي وعدت به.. سيكون الفشل المطلق. لا تقدموا للسنوار انتصارًا كهدية مجانية".
وفي حال خرج بن غفير وسموترتيش من الحكومة سيكون على نتنياهو استدراك سقوط حكومته بإشراك المعارضة التي يتزعمها يائير لابيد فيها لتتحول حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تحميه من السقوط وترفع عنه سيف المحاسبة سواء في ما يتعلق بملف الحرب التي لم تنته كما أراد، أو بملف الفساد الذي كان يلاحقه القضاء فيه قبل الحرب. وفي هذه الحال سيكون عليه تقديم تنازلات أمام المقاومة الفلسطينية من خلال القبول بما هو مطروح لوقف الحرب.
وفي المقابل شجع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد نتنياهو على قبول صفقة التبادل المطروحة مع حماس وقال أنه سيمنحه "شبكة أمان لمنع إسقاطه" وسيلتزم ذلك إن قبل بها. وقال:"إذا قرر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الانسحاب من الحكومة بسبب الصفقة فسأمنح نتنياهو شبكة أمان برلمانية". واعتبر أن نتنياهو "غير مضطر للاختيار بين الصفقة والحكومة، وسنوفر له شبكة أمان لإبرام اتفاق". وانتقد لابيد بيان مكتب نتنياهو ووصفه بـ"الهدام والمضرّ ولا داعي له وليس جيدا".
وكان نتنياهو أشار الى أن اقتراح الأسرى الذي وافقت عليه إسرائيل يسمح بعودتهم دون التنازل عن أهداف الحرب، وأكد أن أي اتفاق بشأن غزة يجب أن يتيح لإسرائيل مواصلة القتال حتى تحقيق جميع أهداف الحرب.