محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
شكّلت نتائج الانتخابات الأوروبية في 9 حزيران صدمة على المستوى العالمي، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت في انتخابات بريطانيا التشريعية وبعدها الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، ففي بريطانيا منح البريطانيون حزب العمال أغلبية مطلقة بحوالي 409 مقاعد من أصل 650، بينما خسر المحافظون الذين استمروا بحكم بريطانيا 14 عاماً، وهناك كان تأثير حرب غزة موجوداً ولكن بالنسبة إلى طرفي الصراع، أما في فرنسا فكان التأثير أكبر.
في فرنسا كانت نتائج الانتخابات الأوروبية مفتاحاً لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، فبعد أن خسر تحالف ماكرون بشدة أمام اليمين المتطرف اقترح الرئيس إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ظنّ اليمين بعدها أنه سيتمكن من الحكم، ولكن النتائج جاءت معاكسة إذ أظهرت انتصار اليسار بالمرتبة الأولى، ثم تحالف الرئيس ماكرون ثانياً واليمين المتطرف ثالثاً.
طبعاً ليست غزة العامل المؤثر الأول في نتائج الانتخابات، ولكن كان لها تأثيرها خاصة في فرنسا، إذ ليس صدفة أن كل المدافعين عن فلسطين ومعارضي الحرب على غزة هم من اليسار الذي حقق نتائج كبيرة في الانتخابات التشريعية، ولم يكن تصريح رئيسة الكتلة النيابية لحزب فرنسا الأبية اليساري ماتيلدا بانو، عن أن بلادها ستعترف بدولة فلسطين خلال الأسبوعين المقبلين، تصريحاً عادياً أو من خارج السياق العام للأمور.
في بريطانيا كان تأثير حرب غزة أقل من فرنسا، ولكن هذه الحرب التي أثرت على الرأي العام العالمي بشكل كبير، وغيرت في عقلية الطلاب في أهم الجامعات في العالم، ووصلت إلى حد رفض أحد أصحاب المطاعم في أحد بلدان شرق آسيا استقبال عائلة إسرائيلية نصرة لفلسطين، سيكون لها تداعياتها، البسيطة أو المتوسطة، على كل استحقاق دستوري وانتخابي في العالم، والانتخابات الرئاسية الأميركية من ضمن هذه الاستحقاقات.
تُدرك الإدارة الأميركية الحالية برئاسة الديمقراطي جو بايدن أن حرب غزة تسببت بأضرار كبيرة لحملة الديمقراطيين، قد لا تكون نتيجة الأضرار لصالح ترامب حيث أن المرشح الجمهوري معروف بعدائه للقضية الفلسطينية، إنما ستكون نتيجتها تناقص عدد أصوات الديمقراطيين لصالح "اللا" تصويت، أو "اللا مرشح"، وهذا بحد ذاته خسارة كبيرة، وقد تكون هذه المشكلة أمام الديمقراطيين بنفس أهمية وجود بايدن كشخص ومرشح على رأس الحملة الانتخابية، ولذلك تجهد الإدارة الأميركية الحالية للوصول إلى اتفاق وقف الحرب قبل منتصف شهر آب المقبل.
هذه الرغبة الأميركية تقابلها رغبة إيرانية، فإيران التي انتخبت رئيساً إصلاحياً للجمهورية، وأعلنت رغبتها بالحوار مع العالم، شرقاً وغرباً وعرباً، ونيتها التفاوض حول الملف النووي بغية رفع العقوبات، تفضل الديمقراطيين على الجمهوريين وتحديداً ترامب، لذلك هي تساعد اليوم إدارة بايدن للوصول إلى وقف الحرب، تماما كما سعت جاهدة بالفترة الماضية لعدم توسع هذه الحرب إلى حرب إقليمية وربما أكثر.
لم يقتصر تأثير حرب غزة على المنطقة وحسب بل طال التأثير العالم، ولا شكّ أن استمرارها وعدم التمكن من وقفها قد ينقل التأثير الخاص بها من تأثير بالرأي العام إلى تأثير على الاستقرار العالمي.