مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
يصعب إيجاد شعب في العالم قادر على مضغ واستهلاك المصطلحات وتقليبها تحت لسانه وامتصاص سكرها وتبديلها غب الطلب، وابتكار المسوغات الزائفة كما هو الشعب اللبناني المهووس بصياغة الأفكار التبريرية وتسويقها وتزويقها لتغدو صنما يُعبد أو طوطما يقدس.
ومن باب الحصر، سنتوقف عند باقة من المصطلحات المستنبتة في حقل النزاع السياسي اللبناني ومشهده المتباين حيال قضايا كانت ولما تزل مذ كان الكيان (الهوية الحضارية، الانتماء، مقاومة المشروع الصهيوني....) موضع نقاش وتفاعل سلبي في غالب الأحيان بحيث تخبو هذه المصطلحات وتتقد على نار التحولات في الإقليم، واهتزازات موازين القوى في الداخل المشدود لعصبيات ومصالح فئوية يجري إلباسها من خلال الوسائط الإعلامية لبوس العمومية والاستمرار في ضخ وبخ "الأزعومات" لإعطائها شرعية التأثير في الأمزجة والاستقطاب عبر الانسياب الدعائي المكثف.
من هذه المصطلحات: حب الحياة، ثقافة الحياة بوجه ثقافة الموت...الخ وفي ذلك إيحاء استعلائي تهكمي ممجوج يتساوق مع موجات عالمية وعن قصد أو دونه يتماهى وخطط الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ويكيدون المكائد ويطمعون بأرضنا وحقوقنا القومية.
مثل هؤولاء لا يلتفتون إلى الأبعاد والمضامين والمدلولات العميقة لفكرة المقاومة وفلسفة المقاومة استنادا إلى إرث أخلاقي قيمي وثقافي يقوم على اكتشاف الحياة، الحياة كما نريد لا كما يريد الآخرون لنا أن تكون..
والحال، فإن المقاومة ليست شكلا من أشكال الحرب بقدر ما هي مقاومة للحرب.
وردًّا على التخرصات والأراجيف بالعقل والاستدلال والمنطق فإن المقاومة مستندة إلى فلسفة المعنى يعني فلسفة الحياة- حياة لا تقوم إلا بالمعنى الذي نخلعه عليها: هي موت من أجل الحياة وليست فناء من أجل الفناء، وهي بذلك طريق لمواجهة الذي يريد أن يميتك على طريقته.
أما النموذج الفذُّ لفيلسوف المقاومة، فهو نموذج أبي طالب وأبي نعمة ووسام الطويل وتلامذتهم، أولئك المنغرسون كالرماح على التخوم عند حياض الجنوب الذين لا يجدون لحياتهم معنى إلا بالحرية، حرية الكل بمذاهبه بطوائفه و بتشكيلاته، وليست حريتهم الفردية، لذلك يهبون حياتهم من أجل أن يعيش الآخرون من أفراد مجتمعهم كما يريدون هم لا كما يريده لهم الغازي الصهيوني بفكره وأفاعيله العدوانية المتغطرسة، يريدون العيش كما يريدون أحرارا كراما أعزة لا كما يريد الآخرون أن يعيشوا صاغرين محتلين منهوبي ثروات الأرض والمياه.
رجال الله المنذورون للشهادة يأتي متطفل أرعن أو جاهل أو جاحد أو خبَّاب لينزع عن فعلهم الجليل بهاءه باعتباره على المستوى القيمي فعلا سيئا أي فعل موت في وقت يجسد هذا الفعل روح الكفاح وروح النهوض وروح المقاومة المستندة إلى فلسفة معنى الحياة التي يجب أن تؤسس لعالمنا القادم.
وكثيرا ما نجد البعض ينظر إلى فعل المقاومة بلغة السياسة الضيقة أي بلغة الربح والخسارة لا بلغة المعنى؛ لأنها فعل بالمعنى حينما يهدم رجال الله الهوة بين تفوق العدو الصهيوني بالإتقان والأسلحة الذكية فتصبح الروح هي التي تقاوم، ومن ذا الذي يستطيع أن يسجن الروح؟!.
إنها الظاهرة الأشرف في بلادنا- ظاهرة الزهد والقيم الأخلاقية والتخلق الإنساني الرفيع، وأعظم ما فيها أن أنصع الأمثلة سيدها سماحة السيد حsن /نصر ال ل ه/ القائد الزاهد بمعنى لا تشغله عن الوطن مكاسب ولا أرباح ولا مراكز؛ أي متزهد في كل ما عدا الوطن مكرس نفسه للوطن وهذا ما جعل المقاومة مطلوبة في حد ذاتها ولأجل ذاتها وهذا ما جعلها ممكنة ومتمكنة وقادرة وفاعلة ومنتصرة تصنع المعادلات وتصون الكرامات..
المقاومة ثقافة حياة وشهادة على العصر في غزة -الطوفان الإعجازي ولبنان، لقد تركت دون أدنى شك بصمة في العصر، أما الذين يلوكون بأفواههم المصطلحات ويكتفون بالتفرج والنظر، فسيشهد عليهم العصر بأنهم كانوا مشغولين بنظرياتهم وأطروحاتهم الخاوية من أي مضمون وبملذاتهم ومكاسبهم وامتيازاتهم.