مفيد سرحال - خاص الأفضل نيوز
في زمن الغيب والغيبوبة ترانا حين نهتز طوائفيًّا..مذهبيًّا.. لا قوميًّا وكأن زمهرير الأسرلة يعصف بنا حتى نغدو يهوهيين متحجرين في دويلاتنا في قاع إنسانية هجينة، نطرب لقعقعة السلاح وصهيل الدم ونتقزم إلى حدود الأنا المتكورة المتقعرة.
كل هذا التذرر المفتعل غطاء لإعادة ترسيمنا على الورق، ثم على لوحة الجغرافيا بتمهيد آداتي يتوسل النحر والحرق وسحل العروبة..نعم العروبة الإنسانية، الصمغ اللاصق لمِزقِنا ومَذاقِنا المختلف حيال قضايا الدنيا والآخرة المترجم مللًا ونحلًا وعللًا كامنة، يجري إيقاظها وتنشيط خلاياها خدمة للمشاريع الكبرى، وما أكثرها وأخطرها على بنياننا الاجتماعي والإنساني.
لقد ذبحت العروبة من الوريد إلى الوريد وصرنا فتاتًا تاريخيًّا أنجب ظواهر غريبة لا تتسق مع قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل)).
وقال تعالى: ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).
والحال تشرذمنا، تمذهبنا، وانغرس في خاصرة وطننا الكبير مقص برنارد لويس منظِّر التجزئة والتفتيت كرمى لعيني يهوه وهيمنة أحفاده على مسامات جلودنا وعقولنا وأبصارنا وأمصارنا وزرعنا وضرعنا ومائنا وخيرات بلادنا.
وجدير بالذكر في هذا المقام ما قالته يومًا (غير ترودبيل) مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق إبان الاحتلال الانكليزي لبلاد الرافدين: ((إن المتطرفين وتعني الثوار ضد الاحتلال اتخذوا خطة من الصعب مقاومتها إلا وهي اتحاد الشيعة والسنة أي وحدة المسلمين...))
وزد على ذلك الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين وو...وكل مكونات أمتنا النابضة بعبق التاريخ.
إنها الوحدة أمضى الأسلحة بإقرار الأجنبي والوحدة روح العروبة الجامعة المانعة للتصدعات القاتلة والعصبيات الجاهلة والسلوكيات الغاشمة والرؤى المريضة البغيضة المسكونة بتقيؤات الماضي.
ما أروع ذاك الانتماء القومي، يعزف لحن أروع تعريفات تلك الرابطة العظيمة المتجاوزة لشتى صنوف الانقسامات الذرائعية الكالحة: ((من سكن ديارنا وتكلم لغتنا واعتز بعزتنا فهو منا)).
أين نحن من وصية أبو بكر الصديق رضي الله عنه التي قال فيها: يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمشكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإن أكلتم منها شيئًا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها)).
لقد صار التكبير والعياذ بالله على ذبح النفس البشرية ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)).
العجب العجاب في هذي الأمة المنكوبة بالتواء العقل وزوغان البصيرة وعفن السرديات المحبوكة في أقبية الظلامية والعماه.
لقد قدمت المقاومة في لبنان أغلى ما عندها في سبيل قضية فلسطين الجرح المفتوح في جسد الأمة، والوجع المستدام بفعل تغول الصهاينة وغدرهم واجرامهم، وترى الكثيرين يتفرغون بكل جوارحهم للتجريح بنضالاتها وتبخيسها وتسخيف مكانتها ووسمها بالمجوسية والفارسية... فيما شبابها الأشاوس رأس حربة الدفاع عن القضية القومية عرب أقحاح، قاتلوا لأجل حرية الأرض والإنسان، متحررين من أثقال المذهبية لتوكيد قومية المعركة فاستحال العجز عن مواكبة حراكها التحرري حملة تشويش مذهبي لتجريدها من قدسية وشرف نضالها بالتحامل وبوساطة مسوغات وتوصيفات وتلاوين تشويهية لمنع انسيابها في شرايين الأمة ثقافة تؤجج جذوة الصمود والثورة في وجه الميوعة والارتهان والإذعان والواقعية المنافقة والتسليم بالانحطاط والهزيمة.
فالعروبة هدف استراتيجي لقوى الاستعمار والاستكبار العالمي والصهيونية للحيلولة دون تذويب الهويات والخصوصيات في هوية ثقافية حضارية فيما المبضع المذهبي في أعلى جهوزية لتسوية الجغرافيا وفق منطوق تجزيئي فما جرى للأسف الشديد في سوريا سواء الساحل السوري أو مؤخرًا السويداء من عنف طائفي ومجازر وترويض بالسيف والشعارات المقيتة لا يمكن وضعه إلا في خانة القطع مع الآخر، ودفعه إلى خيارات شيطانية وتقطيع الجغرافيا السورية بحدود من دم وإعادة تشكيل الديمغرافيا بالتهجير والتفريغ القسري للأملاك والأرزاق، إننا بصراحة متناهية نقتفي أثر برنارد لويس بدل أن نقتفي أثر صلاح الدين وجمال عبد الناصر ويوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وشكيب أرسلان...ووو.
بلداننا تعيش ثقافة الاجتثاث والفرز للأسف الشديد، رحم الله العروبة وأسكنها فسيح جنات دويلاتنا حيث مضارب القبائل والأعراق والطوائف والمذاهب قاب تحقق منتظر.
فالعدو الصهيوني الذي أسقط المقاومة في لبنان وفلسطين وظائفه كأداة للغرب الجماعي لم يجد أسهل من إسقاط العروبة، عصب المقاومة وسيفها وترسها، بمذهبة الصراع والاحتراب والخراب ونهش الجماعات لحم بعضها بعضًا بنسق بربري همجي.
شهور فاصلة حيث تجمع المعلومات، أن طلائع التمظهر التقسيمي بدأت من بعد أن اتسع الفتق على الراتق ومقص برنارد لويس تم شحذه وإسرائيل الكبرى الممهدة لمجيئ السيد المسيح عليه السلام بات ظلها على الأرض رقعة زيت ستتمدد من سوريا إلى لبنان والعراق ومصر وتركيا حتى آخر حبة تراب من بلاد العرب... وداعًا للعروبة وليحيا برنارد لويس.