كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
لم تعد زيارات الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، إلى لبنان، تلقى الاهتمام، لا من المسؤولين، ولا من المواطنين، لأنه لا يحمل معه سوى ما يطلبه العدوُّ الإسرائيليُّ الذي خدم جنديًّا في جيشه، وكان من قوات الاحتلالِ في لبنان، وهو ليس وسيطًا نزيهًا كما إدارته، وكل الإدارات الأميركية السابقة، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، فهي تضع مصلحة إسرائيل فوق كل مصلحة، ولو كانت أميركية، وأن أمن الكيان الصّهيونيِّ فوق كل اعتبار، لا بل أن وجوده ضرورة، وإن لم يكن موجودًا، فيجب أن يكون، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما زار الكيان الغاصب، بعد عمليّة "طوفان الأقصى" في ٧ تشرين الأوّل الماضي.
فالموفد الأميركي، لم يأت مرة إلى لبنان، ومنذ فتح الجبهة العسكرية في الجنوب، مساندة لغزّة، كما أعلن "حزب اللّه"، فإن وقف القتال هو الشغل الشاغل لـ "هوكشتاين"، الذي حضر ليسأل عن عودة الهدوء على جانبَي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّةِ وما إذا كان بالإمكان تحقيق ذلك، بفك الارتباط بين جنوب لبنان وغزّة، بما يسمح للسكان من الطّرفين الإسرائيليّ واللبناني بالعودة إلى منازلهم، فكان الجواب الرسمي اللبناني، بأن وقف الحرب على غزّة، يفتح تلقائيًّا باب الهدوء في الجنوبِ، كما في المنطقةِ.
وحاول هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة، أن يعرف حجم الرّدِّ الذي سيقوم به "حزب اللّه" على اغتيال القائد الجهادي في الحزب فؤاد شكر، فلم يلقَ جوابًا لا من الرئيس نبيه بري ولا من الرئيس نجيب ميقاتي أو وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون، لأن هذا الموضوع هو عند "حزبِ اللّه" ولا أحد يسأله عنه، كما أنه مرتبط بردٍّ آخر من إيران على مقتل رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" اسماعيل هنية في طهران، لكن هوكشتاين سمع كلامًا واحدًا وواضحًا، بأن الردَّ آتٍ وحتميٌّ، ولا تراجع عنه عند أي طرف من محورِ المقاومةِ، ولا أحد يعرف متى وأين وكيف، والحجم الذي سيبلغه، حيث أكّد الرئيس برّي لـ "هوكشتاين"، بأن عليه أن يسأل رئيس حكومة العدوِّ بنيامين نتنياهو عن التصعيدِ الذي ذهب إليه، وهو من يعمل لتوسيع الحرب، لا سيما ضدَّ إيران، ويبدو أن في الإدارة مَن شجّعه على استهداف إيران، وهي المرة الثانية التي يعتدي عليها، الأولى بقصف القنصلية الإيرانيّة في دمشق، والثانية في طهران باغتيال هنية، وهذا ما اعتبرته القيادة الإيرانيّة اعتداءً على سيادتها وكرامتها وشرفها، وأن الشهيد هو ضيف على أراضيها.
من هنا، فإنّ هوكشتاين، لم يحمل معه جديدًا بشأن الجنوبِ، لأنه يعلم مسبقًا شرط "حزبِ اللّه" وهو وقف الحرب على غزة، كما أنه سعى إلى معرفة مدى جهوزية لبنان لتطبيق القرار ١٧٠١، فجاءه الجواب من الرئيس نجيب ميقاتي، بأن الحكومة وافقت على تطويع ستة آلاف ضابط وجندي على أربع مراحل، وكل مرحلة تضم ١٥٠٠ جندي لتعزيز عديد الجيش في جنوب الليطاني، الذي يجب أن يكون ١٥ ألفًا إلى جانب ١٥ ألفًا للقوات الدوليّة.
فمع بدء لبنان، إعداد الجيش بشريًّا، يبقى عليه تجهيزه بالسلاح والعتاد، وهذه مسألة يقوم بها قائد الجيش الذي ترفض أميركا تنويع سلاحه من دول عرضت عليه منذ سنوات، ومنها روسيا التي وافقت على تزويده بطائرات، ووافق لبنان على الصفقة في عهد وزير الدفاعِ الياس المر، وإيران عرضت أيضًا، وكذلك الصين، وهذا ما لم تقبل به واشنطن التي لا تريد سلاحًا ثقيلًا للجيش.
وفي زيارته التي تمت هذا الأسبوع، لم يأت هوكشتاين من تل أبيب إلى بيروت، بل حضر من دولة أوروبية، لأنه يعرف المطالب الإسرائيلية، وسبق له أن سوّقها في لبنان، لجهة انسحابِ قوات "حزبِ اللّه" مسافة ٨ و١٠ كلم، وانتشار الجيش، وعودة السكان اللبنانيين والإسرائيليين، وظنَّ الموفد الأميركي، بأنه قد يسمع أجوبة مرنة في لبنان، بعد عشرة أشهر من القتال، الذي لم يكن مضطرًا لأن يشارك به، في وقت كان يعمل هوكشتاين لترسيم الحدود البرية، وتأمين الأمن والسلام، وسيعقب ذلك وصول استثمارات إلى لبنان، الذي سينتعش اقتصاديًّا، وهو يمر بأزمة مالية واقتصادية.
فلم تكن زيارته إلا تكرارًا لما سبقها، والسؤال نفسه أمن الحدود الشماليةِ لإسرائيل.