نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
سؤال لروبرت كاغان وهو أحد كبار منظّري المحافظين الجدد , "هل يدرك أولئك الحمقى ما يعني تحقيق أمنيتهم بخروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط , وما البديل عن ذاك الخواء الرهيب , وبوجود دول متهالكة , أو متداعية , باقترابها أكثر فأكثر من الاندثار ؟
اندلاع الصراع "الأبوكاليبتي" بين الأمبراطورية العثمانية والأمبراطورية الفارسية , للسيطرة على المنطقة إلا إذا اتفق الجانبان على إنشاء كوندومينوم (حكم ثنائي) لهذه الغاية".
في نظره إن إسرائيل هي التي تحمي العرب من عودة أباطرة فارس وسلاطين بني عثمان , للاستيلاء على بلادهم لقرون , وربما إلى الأبد , دون أن يكون بإمكان الروس والصينيين الاتفاق على من يرث الشرق الأوسط باعتبار أن العلاقات الحالية بينهما هي علاقات آنية , وتكتيكية , فرضتها فلسفة العداء , أو ايديولوجيا العداء , للولايات المتحدة , ليعود نهر "الأمور" (نهر الحب) الذي يفصل بينهما , كما كان , نهر الكراهية .
هذا ليتحدث كاغان عن الفارق النوعي في "ثقافة الحياة" بين الولايات المتحدة , الموجودة في كل بيت على سطح الأرض , والصين مثلاً التي , في رأيه , "لا تغوي حتى القردة".
أيضاً , "إزالة إسرائيل , وإحلال دولة فلسطينية محلها , إذ هي عملية ضد إرادة الله , لا بد أن يتولى الإرهابيون السلطة فيها , هؤلاء لا ضوابط لجنونهم الايديولوجي , ولا لجنونهم الجيوستراتيجي".
هذه , على كل حال نظرة أو نظرية اللوبي اليهودي الذي يراهن على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض , وهو الذي ينطلق , في سياساته حيال الشرق الأوسط , من أفكار ذلك اللوبي الذي ابتدع مصطلح "صفقة القرن" , وها هو ترامب يعد باستئناف دومينو التطبيع , وصولاً إلى ما يصفها بـ"دول الأسلاك الشائكة" حالما يطأ أرض المكتب البيضاوي.
ولكن , هل حاول روبرت كاغان أو دونالد ترامب الغوص في الحالة الإسرائيلية بعد تلك الحرب الشاقة , والمريرة , في غزة , وحيث التصدعات الدراماتيكية في المؤسسة السياسية , كما في المؤسسة العسكرية , ناهيك عن المؤسسة الأمنية ؟
أسئلة من الداخل ما إذا كانت الدولة العبرية لا تزال قابلة للبقاء ...
باحثون غربيون , وبينهم أميركيون , يقولون الآن بسقوط الفلسفة السياسية , والفلسفة العسكرية , التي قامت عليها الدولة التي لا تقهر , بعدما دعا زئيف جابوتنسكي , عام 1923 إلى إقامة "جدار النار" , وهو "جدار الدم", بين اليهود والعرب حتى في العالم الآخر .
هؤلاء الباحثون يستغربون كيف أن صانعي السياسات في إسرائيل لم يدرسوا في العمق أسباب فشل تجربتهم في لبنان الذي خرجوا منه , عام 2000 بأيدي خاوية بعدما راهنوا على أن يكون وجودهم هناك المدخل التلقائي لتدجين سوريا , ولا إلى أسباب فشلهم في حرب تموز 2006 , ليدرك صانعو السياسات أن ثمة أشياء فائقة الأهمية تجري على الضفة الأخرى . تطور آليات , وتقنيات , وأساليب , حرب العصابات لاستحالة الانتصار في أي حرب كلاسيكية بسبب الاختلال الهائل في موازين القوى .
موشى ديان الذي قاد حرب حزيران 1967 كان قد تنبه إلى ذلك ، ذهب شخصياً إلى فيتنام من أجل المعاينة الميدانية للمعارك التي تجري هناك بين الأميركيين والفيتكونغ الذين قال الجنرال نورستاد إنهم "كانوا يقاتلوننا أحياناً بأقدامهم الحافية".
بالرغم من أن الأميركيين حاولوا تكييف عملياتهم العسكرية في ضوء ما يجري على الأرض , فقد أخفقوا في هزيمة الجنرال فو نغوين جياب , بعدما توعدهم هو شي منه , بـ"الخروج على ظهوركم من بلادنا" . ولقد خرجوا , فعلاً , على ظهورهم .
الآن يحذر معلقون عسكريون إسرائيليون من الوقوع في "الفخ الفيتنامي" في لبنان . صواريخ , ومسيّرات , وشبكات أنفاق في كل مكان , وبعدما ظهرت في غزة الهشاشة العملانية للترسانة الإسرائيلية التي تكدست فيها أكثر الأسلحة تطوراً , ووحشية , في العالم، ما يقتضي أحدث تغيير بنيوي أن في الفلسفة السياسية , أو في الفلسفة العسكرية , ما يراه المؤرخ شلومو ساند مستحيلاً كون الايديولوجيا التوراتية لا تتحكم بالعقل الإسرائيلي فقط وإنما لأنها "الدرع الإلهي للدولة" .
ماذا يعني أن تسقط الفلسفة السياسية , والفلسفة العسكرية , لدولة ما ؟ سقوط الدولة نفسها . الطريق يقترب من نهايته ...