خليل حرب - خاص الأفضل نيوز
بالنسبة لكثيرين، فإن هدوء إيران محير. فهي حتّى الآن لم تنفّذ تهديداتها، لكنها فخّخت أجواء المنطقة بالترقب والمخاوف.
الانتقام الموعود لـ"ضيفها" المقتول في طهران، ساهمت في فتح آفاق "هدنة" لكنها تبدو حتى الآن، تحت بند استحالة التحقق، في غياب العرب.
ولا يبدو أن "إنقاذ" غزة، من بين نوايا العرب وفضائلهم، وهم، للمرة الأولى في تاريخ "الصراع العربي- الإسرائيليِّ" بمثل هذا الانقسام، ما بين امتهان دور "الوسطاء"، أو الانخراط بلا مواربة في مد شرايين الحياة ل"العدو" بمقومات بقاء.
بنيامين نتنياهو منغمس في لعبة حافة الهاوية مع الجميع: مع "محور المقاومة" ومع العرب، ومع قلة في الغرب تعارض حربه، ومع معسكري الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن بانتظار جلاء غبار المعركة الانتخابية.
وفي المقابل، إيران ملتزمة بـ "رد يكون دقيقًا ومحسوبًا ومنظمًا ولا يوقعها فريسة للأفخاخ التي ربما نصبت لها" (وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي). لكن حذر إيران كان يراهن على أن ضبط النفس المؤقت هذا، سيفتح (مثلما أكد لها القطريون والمصريون) النوافذ أمام إنهاء الحرب.
جحافل الدبلوماسيين الأميركيين التي تدفقت على المنطقة فيما بعد "الاغتيالين" في طهران وبيروت، كانت دليل "الوسطاء" وحجتهم أمام الإيرانيين بأن يعطوا "السلام" فرصة.
لكن المحادثات الأخيرة في الدوحة ومن ثم في القاهرة، لم يتصاعد منها الدخان الأبيض.
ومضى الآن على "الاغتيالين" شهر كامل. بل أن مسار التسويات، لإخراج نتنياهو رافعًا رأسه، باتت تتضمن خطة البقاء في محور فيلادلفيا والذي كان - حتى وقت قريب على الأقل - من محظورات الأمن القومي المصري، وصار الآن بندًا يروج الإسرائيليون بأن الأميركيين قبلوا به، بينما لم يعد صوت الاعتراض المصري مرتفعًا.
وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني، حط في طهران قبل يومين. القطريون قالوا علانية أنهم خاطبوا طهران متمنين تجنب "الانتقام" في هذه اللحظات لمنح التفاوض فرصته.
قبله، أجرى وزير الخارجية المصرية سامح شكري اتصالًا بنظيره الإيراني عراقجي، ليبحث معه الآمال بنجاح جهود "الوساطة" للتوصل إلى هدنة من أجل "تفادي انزلاق المنطقة نحو التصعيد". والسؤال هو، منذ متى ينسق المصريون مع الإيرانيين بملف الأمن القومي المصري في غزة؟
واشنطن تراهن على استمرار "الوسيطين" بدورهما لعل الزمن يطفئء نار "الانتقام" الإيراني وتنتفي الحماسة له، أو ينتزع نتنياهو في ميدان "غزة والضفة الغربية" ما يكفيه من دم ليقول لجمهوره :انتصرنا!
النافذتان المتاحتان أمام إيران الآن: إعلان هدنة في غزة مقبولة من فصائل المقاومة، بما قد يتيح للدبلوماسية الإيرانية اغن تقول:انتصرنا، وأن الرئيس الجديد بزشكيان التي سعت إسرائيل لتلطيخ مراسم تنصيبه بدماء اسماعيل هنية، نجح في مكان ما في ترميم صورة حكمه الجديد؛ وأن إطلاق تهديدات الانتقام دفعت قدمًا مسار الهدنة؛ وأن طهران بجمعها ما بين عصا التهديد والصبر السياسي، ساهمت، بما فشل فيه "الوسيطان" العربيان، في إيقاف حرب الشهور ال11.
ربما تكون هناك قلة قليلة راضية بهذه الرؤية الإيرانية ومنطقها. لكنها خلاصات لا تقود بالضرورة إلى الجزم بأن الإيرانيين –كما اليمنيين- أسقطوا ورقة "الرد" من حساباتهم مهما كان توقيتها، وحجمها وطبيعتها. وبالمناسبة، تراكم طهران "انتقامًا" بشكل آخر.
بالأمس قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران، التي أحرجها وأخرجها دونالد ترامب (الحليف الأوثق لنتنياهو) من الاتفاق النووي العام 2018، أصبحت الآن بعدما "تحررت" يداها، أكثر اقترابًا من نسبة مخزون تخصيب اليورانيوم اللازمة لصنع سلاح نووي: ونظريًّا بحسب تقرير للوكالة، فهي قادرة قريبًا على امتلاك 4 قنابل نووية.
هذا جانب من "الرد"؟ ربما. لكن الكابوس الإسرائيليّ يكتمل فصولًا... وهذا مدعاة أكبر للترقب.