يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
قد يرى بعض المحللين بأن نتنياهو لا يمكن أن يُقدِمَ على توسيع الحرب في لبنان من خلال الزحف البري وإقامة شريط حدودي يمتد لعشرات الكيلومترات في جنوب لبنان، كما كان في الماضي، من أجل حماية المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، وإبعاد صواريخ حزب الله عنها، وإعادة عشرات آلاف الهاربين من الشمال إلى " بيوتهم " وهم الذين يشكلون عبئاً على حكومة الكيان وجمهورها اليهودي، فاليهودي لا يستضيف يهودياً وينفق عليه ابتغاء وجه الله أو بدافع وطني أو إنساني، كما يفعل المسلم العربي أو المسيحي العربي، بل تبقى كلفة نزوحهم وتلبية احتياجاتهم ترهق كاهل حكومة العدو، ويستبعد هؤلاء المحلّلون توسيع الحرب، كما توعَّد غالانت، لأن العدو يعلم أن كلفتها ستكون كبيرةً جداً "فقوة حزب الله تعادل عشرة أضعاف قوة حماس"، كما يقولون، وإذا لم يستطيعوا بعدَ قرابة السنة الكاملة القضاء على حماس، فهم يحتاجون إلى أكثر من عشر سنوات للقضاء على حزب الله في لبنان، هذا إذا استمر الدعم الأمريكي والغربي والصمت العربي، وهو ما لا يظهر في الأفق بعد موقف بريطانيا الواضح وقرارها عدم تزويد إسرائيل بالسلاح احتراماً لقواعد القانون الدولي، وبعد انسحاب " جيرالد فورد"، أكبر حاملة طائرات في العالم والتي كانت تساند إسرائيل في عدوانها على المنطقة وتردع تدخل إيران والحوثيين وحزب الله، حسب زعمهم، لأن نتنياهو قد أمعن في تماديه وخروجه على التعليمات أو النصائح الأمريكية في الفترة الرمادية التي تسبق الانتخابات الأمريكية.
وأما السبب الثاني الذي يعزز فرضية عدم التفكير بتوسيع الحرب فيقول هؤلاء المحللون : طالما أن إسرائيل تستطيع اغتيال قادة الحزب بغاراتها الجوية ومن خلال توظيف أحدث وسائل التكنولوجيا ولا سيما في مجال التجسس وجمع المعلومات، وتستطيع أن تخرج عن قواعد الاشتباك دون حسيب أو رقيب، فما حاجتها إلى أن تتكبدَ الخسائر في زحف بري ستفقد فيه آلاف الضباط والجنود، لا سيما بعد أن قام حزب الله باستعراض قوة الصد والردع في بثّه فيديو " عماد 4 "، ما جعل العدوَّ يفكر ألف مرة قبل توغله لأن توغله في الأراضي اللبنانية لن يكون بلا أثمان لا تستطيع إسرائيل تحملها ولا تعرف كيف تخرج من النفق إذا ما دخلت فيه، حسب قولهم أيضاً.
ويرى مراقبون آخرون بأن نتنياهو واليمين المتطرف لن يتورّعوا عن اتخاذ قرار في خوض حرب في الشمال انطلاقاً من دوافع ذاتية شخصية وبحجة الدفاع عن وجود إسرائيل والقضاء على كل ما يؤرقها ويحد من نفوذها وقوتها في المنطقة، وقد كتب طارق الحميد في صحيفة الشرق الأوسط فقال : " إن استراتيجية نتنياهو تقوم على أسس واضحة، أهمها استغلال الأزمة لإطالة أمد حياته السياسية، وفرض نفسه قائداً «تاريخياً» لإسرائيل....
ورأينا كيف تحرك نتنياهو تجاه الضفة الغربية المهددة بالانفجار، ما يعني تدمير المكتسبات الفلسطينية، وأياً كان حجمها، وبالتالي تدمير ما تبقَّى من أوسلو، وأكثر....
واليوم إحدى عقد مفاوضات الهدنة، ووقف إطلاق النار، هي تشدد نتنياهو بالمحافظة على سيطرته على معبر فيلادلفيا مع مصر، وهذا يعني التعدي على اتفاقية «كامب ديفيد» دون رادع، وبعد حادثة جسر الملك حسين عند الحدود الأردنية تحرّك نتنياهو لتفقد منطقة الأغوار الفلسطينية، وهو الأمر الذي أثار عاصفة من الإدانات العربية، وعلى رأسها السعودية، التي اعتبرته استفزازاً يهدف إلى توسيع الاستيطان، وهذا الاستفزاز هو تهديد لاتفاقية «وادي عربة» عام 1994 الأردنية-الإسرائيلية، كما يُهدد مشروع الدولة الفلسطينية، ويثبت أن استراتيجية نتنياهو تكمن في استغلال كل أزمة لتغيير الواقع، والعودة بالقضية إلى نقطة الصفر، مع ضرب كل الاتفاقيات بالمنطقة... ".
ولذلك فمن الواضح أن نتنياهو لن يفوت فرصة الحرب الموسعة الآن مع «حزب الله»، لأنها تخدم أهدافه الاستراتيجية، وهو يفعل ذلك من أجل إلزام الرئيس الأميركي القادم بما يختاره هو لا بما تختاره الإدارة الأمريكية، ولو كانت شريكة معه في الإبادة والإجرام، فإذا كانت هاريس هي القادمة للرئاسة فإنها ستجد الحرب أمراً واقعاً عليها لا يمكن التنصل منه، وإذا كان ترامب هو الرئيس القادم فهو الأكثر حماسةً لخدمة إسرائيل والدفاع عن مجازرها.
وسواء اختار نتنياهو توسيع رقعة الحرب في لبنان أو بقيت الأمور على حالها، فإن إسرائيل بلا شك تدق المساميرَ في نعشها وتنهار، ولا ينفعها تخاذل العرب ولا تطبيعهم ولا دعم الغرب بالمال والسلاح ولا تغاضي مجلس الأمن عن تجاوزاتها، لأنها تقف اليوم أمام مقاومة صلبة عنيدة لا ترضخ ولا تركع ولا تلين ولا تفزع، أو بالمعنى الأوضح والأصح فإنها باتت عالقةً بين ثلاثة قادةٍ جبارين لا تغريهم مباهج الدنيا : القائد يحيى السنوار والقائد الحوثي والقائد السيد حسن نصر الله أعزّهم الله وأعزَّ الأمةَ بهم.