عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
للوهلة الأولى تبدو العملية الإرهابية التي تفذها العدو الإسرائيليّ عبر تفجير أجهزة الاتصال "البيجر" وكأنها إنجاز نوعي له في مواجهة حزب الله.
لكن التدقيق قليلاً في حقيقة الواقعة يُبين أن ما جرى لم يكن سوى جريمة موصوفة كسرت المحرمات واعتمدت على الغدر والدناءة، بعيدًا من كل قواعد الحرب و"أخلاقياتها."
لقد باغت الاحتلال آلاف اللبنانيين وهم منشغلون بتفاصيل حياتهم اليومية، بعيدًا من جبهة القتال في الجنوب، وليس في ذلك بطولة.
أما على المستوى العملاني أو العملياتي فإن العدو لم يحقق أي إنجاز في الميدان العسكري على خطوط المواجهة، ولم يتقدم مترًا واحدًا في داخل الأراضي اللبنانية وهو الذي يلوّح منذ أشهر بهجوم بري يبعد المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، علمًا أنه وبالمعايبر العسكرية والنفسية، كان أمام فرصة مفترضة لشن الهجوم الواسع، مستفيدًا من عارض الاضطراب الذي أصاب المقاومة وبيئتها، لوقت قصير، عقب العدوان غير المسبوق، قبل أن تستعيد تماسكها وتحتوي مفاعيل الضربة.
غير أن العدو لم يتجرأ على استغلال اللحظة لتنفيذ وعيده، ما يؤكد أنه لا يزال يتهيب الدخول في مواجهة برية أو حرب شاملة مع حزب الله لمعرفته بحقيقة موازين القوى وتوازن الردع.
صحيح، أن الهجوم الإرهابي الإسرائيليّ على مختلف المناطق اللبنانية أحدث نوعًا من الصدمة بفعل طبيعته غير المألوفة، وحصيلته المرتفعة مع ارتقاء عدد من الشهداء وسقوط آلاف الجرحى، إلا أنه لا يتعدى كونه جولة في معركة طويلة، وهي ربما أفادت العدو تكتيكيًّا لكنها لن تعود عليه بأي مردود استراتيجي، وهنا بيت القصيد ومعيار الربح والخسارة.
بهذا المعنى، وبمعزل عن الجانب الاستعراضي في الضربة الإسرائيلية، فهي لم تغير شيئًا في جوهر الصراع وقواعده، إذ لا حزب الله أوقف إسناده لقطاع غزة، ولا الجسم العسكري الأساسي للمقاومة تأثر بالهجوم، ولا النازحين الصهاينة من الشمال عادوا إلى مستوطناتهم، ولا الحزب انسحب من جنوبي نهر الليطاني كما يريد العدو الإسرائيلي، ولا الخطر الوجودي الذي تمثله المقاومة على الكيان تراجع..
وإلى جانب ذلك كله، استطاع لبنان تحويل التهديد فرصة، بعدما ترفعت معظم القوى السياسية عن الانقسامات والخلافات الداخلية وتضامنت مع حزب الله وبيئته، الأمر الذي تُرجم عبر تدفق الشخصيات المتعددة الاتجاهات إلى منزل النائب علي عمار في الضاحية لتعزيته باستشهاد ابنه.
وحتى بعض الجهات المعروفة بخصومتها الحادة للحزب جمدت سجالها معه، ولو إلى حين، ما سمح بتحصين الجبهة الداخلية في هذه اللحظة المفصلية، وتظهير صورة مغايرة لتلك التي سادت بعد انخراط المقاومة في معركة الإسناد بدءًا من 8 أوكتوبر.