رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
صُعق رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من قرار محكمة العدل الدولية، بتسطيرها مذكرتي توقيف بحقه، وبحق غريمه اللدود ووزير حربه الأسبق يوآف غالانت، في جرائم حرب وإبادة جماعية، ذلك أثناء جلوسه مع الموفد أميركي آموس هوكشتاين لمناقشة بنود وقف النار مع لبنان، فانتظر بعد مغادرة ضيفه، ليل بيروت الدامس، ليغرف أكثر من دماء اللبنانيين المدنيين الآمنين في منازلهم، ويُسقط الحارات عليهم تدميراً وقتلاً وتفجيراً، قبل أن يبزغ فجر بيروت وتسطع شمسها، فيكمل استدارته على باقي قرى الجنوب والبقاع وضاحية بيروت وأهلها.
صدرت أجواء التفاؤل بالتوصّل إلى وقف النار بين إسرائيل ولبنان، وتعزَّزت فرص نجاحها، بعد أن عاد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من زيارته إلى المنطقة، ووصل العاصمة الأميركية مطمْئناً الرئيس بري، إلى أنّ محادثاته في إسرائيل إيجابية، وما تبقى من عقد لا تُسقط الاتفاق، ففي واشنطن صار مؤكداً أنّ القرار السياسي قد اتُّخذ لوقف إطلاق النار، ولم يبقَ سوى بعض البنود التقنية، وتوقيت إعلان الاتفاق الذي ما زال محيَّراً وغامضاً، لا سيما وأنّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، يشتري بعض الوقت على أمل وصول قواته نهر الليطاني جنوباً، من دون أن يلغي ذلك المشهد من الاجماع الأميركي بأن الاتفاق حاصل قبل نهاية العام.
هذا وقد كشفت مصادر ديبلوماسية وسياسية أميركية "للأفضل نيوز"، عن حال كبير من التفاؤل، حيث أصبح الاتفاق عاجلاً وليس آجلاً بحسب المصادر، وأنّ كلّ العُقد المطروحة لن تسقط الاتفاق، لا بل تقول مصادر دبلوماسية إنّ لبنان لن يخرج من الاتفاق في حال الإصرار على إدخال بريطانيا في لجنة مراقبة تطبيق القرار 1701، ومسألة معارضة تل أبيب لوجود فرنسا لن تُسقط الاتفاق كذلك، بحيث ستكون مراحل تنفيذه بحسب ما كشفته المصادر الديبلوماسية عينها، بوقف إطلاق النار تتبعه هدنة لستين يوماً، وانسحاب إسرائيلي بالتدرج من جنوب لبنان، مع دخول للجيش اللبناني، كذلك انسحاب قوات حزب الله إلى شمال الليطاني، فمتمِّمات هذا الاتفاق ستكون سارية إلاَّ إذا رغب نتنياهو بفرض أمر واقع جديد بعد تقدم جيش العدو جنوب الليطاني، وهذا أمر مستبعد لأنه بدأ يتكبَّد الخسائر الكبيرة خلال هذا التقدم العسكري المحفوف بالمخاطر الكبرى، وبالمساءلة العسكرية في داخل إسرائيل، وتحرك القضاء الداخلي ضده، وتحريك الملفات القضائية الدولية، رغم ذلك سيحاول أن يستفيد من كلّ ساعة وكلّ دقيقة، كي يُنهي ما يسمِّيه بنك أهدافه، وبالتالي فإنّ القوات الإسرائيلية ستستمر بالتوغّل، إلى أن تعود وتنسحب تدريجياً لينتج إنتصاراً وهمياً، علَّه يقدر على صرفه في الداخل، طالما هو ذاهب حكماً إلى محاكمات.
فالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مسَّت برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت، فصارا ملاحَقَين أقله من قبل 124 دولة في العالم، وبات حكماً على هذه الدول أن تتموضع ترحيباً باستجابة المحكمة لما طلبته، وهذا هو أول المحرَّمات الذي يربك إسرائيل ويكسر ما كانت تتمتع به منذ نشأتها، من امتيازات تضعها فوق أيّ عدالة.
الشعب الإسرائيلي المتعطش للقتل والدماء، هو الذي ورَّط أكثر نتنياهو وغالانت، بعد أن وصفوا سكّان غزّة بالحيوانات، وهو ما أعطى الجيش الإسرائيلي شرعية متمادية لارتكاب إبادة جماعية ضدّ المدنيين في القطاع، على الهواء مباشرة، وسط دعم حلفائه الغربيين، وبرعاية كاملة وتامة للولايات المتحدة، التي وصفت قرار المحكمة بالعمل الشائن، فالعالم يعرف جيداً بأن لعبة الأمم ربما ستحاصِر قرارات محكمة لاهاي، لأنها خرجت عن ما هو مسموح ومرسوم لها، وخارج حسابات التقاطع في المصالح بين الدول الكبرى، لكن ما صدر من اتهامات ومذكرات توقيف بجرم الإبادات الجماعية وجرائم الحرب، سيكون له حسابات مختلفة في رسم مسارات الحكم في إسرائيل، وستعطي محكمة العدل الدولية مساحة أكبر للتحرك في اتجاهات كهذه، بعد أن أسقطت سرديات الحرب العادلة التي يسوقها الرأي العام الإسرائيلي، وبأنها دولة ديمقراطية وتخوض حربها ضد الإرهاب، فالصفعة لنتنياهو قد لا ينجو منها هذه المرة، وهو المراوغ والمتحايل على كل شيء، فهو أحْرج العواصم الكبرى في تعددية معاييرها ومواقفها، في المطالبة بوقف الحرب ومجازرها، والاعتراف بحقوق الضحايا، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية، والاستمرار بتوفير التعاطف والتضامن مع إسرائيل.
فهذا القرار للمحكمة الجنائية هو تطوّر مهم، بعد مراقبة حالة الغضب والصدمة التي أصابت نتنياهو ومن معه، وكذلك التحوّل على مستوى القانون الدولي، بعكس ما حظيت به إسرائيل من هستيريا من الدعم الغربي، دفعت زعماء الدول للزحف نحوها تضامناً ودعماً وتأييداً في ساعات طوفان الأقصى الأولى، فاتّخذت المحكمة قرارها بالاجماع، وبات نتنياهو وغالانت مطارَدين، ليس فقط من قبل الدول الموقّعة على المعاهدة التي يستند إليها إنشاء المحكمة، فالدول غير الموقّعة ستتجنّب لإسقاط الحرج إستقبال هاربيْن من العدالة الدولية، وهو ما دفع وسيدفع نتنياهو إلى إراقة المزيد من الدماع بحق اللبنانيين والفلسطينيين، وقت تحوله إلى مستذئب قبل أن يمضي الوقت وتشرق شمس بيروت وفلسطين.