الياس المر- خاصّ الأفضل نيوز
توجهت الأنظار بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على العاصمة السورية دمشق، بما يشبه الانقلاب الأبيض، أو التسليم الأسود، ولهذا نقاش أمام التاريخ، تتكشف خفاياه في الأسابيع المقبلة.
إلا أن استلام السلطة وتشكيل الحكومة الإسلامية في دمشق، لم يكن آخر التحديات المحلية والإقليمية والدولية، بل بدايتها، وتعكس هذه التحديات، تناقض التوازنات للقوى الإقليمية والدولية على الساحة السورية وتتلخض على الشكل التالي، التنافس التركي العربي من جهة، والتنافس الأميركي الروسي من جهة ثانية، وتضارب الأجندات الأميركية التركية من جهة ثالثة.
وبدأت ملامح التنافس على السلطة تظهر على السطح، من خلال البيانات المتوترة التي بدأت تصدر عن الائتلاف الوطني السوري الذي كان يشكل الإطار العام السياسي لقوى المعارضة الذي كان يضم أكثر الجهات تحت لوائه وامتاز بعلاقاته الدولية ولا سيما العربية المميزة، وتنوعه الطائفي حيث ضمّ فاعلين من كافة الطوائف، الأمر الذي يغيب عن الجماعات المسلحة منها تحرير الشام التي تمتاز بالطابع الديني المتشدد والأحادي الطائفي، وهذا ما انعكس في النكسة الأولى لدى تشكيل الحكومة الجديدة التي انتقدها العديد من المثقفين وقادة الرأي السوريين، لعدة نقاط أبرزها طابع التشدد البارز عن كل أعضائها، وهم من الطيف المذهبي الواحد، وخلوها من وزارة للثقافة، وغياب عنصر النساء وسقطات عديدة أخرى، بالإضافة إلى رأي التوحيد الذي وُضع خلف رئيس الحكومة في اجتماعها الأول وسرعان ما أزيل، على أثر رفع الصوت من قبل النخب المتابعة.
الائتلاف الوطني السوري
الذي يطمح لاستلام السلطة، ويمتاز بعلاقات مع الدول العربية ومنها السعودية والإمارات، ويتمتع أيضاً بالعلاقات المميزة مع المجتمع الدولي، على عكس هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية من قبل أميركا وبعض الدول العربية.
أوجه التباين
خلافات عميقة على توزيع الأدوار والسلطة ظهرت مؤخراً بين الائتلاف والفصائل كما والفصائل فيما بينها، هذا إبان الحرب ما بالك بعد الوصول إلى السلطة.
الثورة المضادة
يثبت علم السياسة عبر التاريخ، أن من يقود الثورة لا يحكم، وأن ليس من ثورة إلا ويليها ثورة أو ثورات مضادة، وهذا ما تعرفه جيّدًا "هيئة تحرير الشام" وتحاول استيعابه أو تأخيره من خلال إظهار الانفتاح المصطنع على كل المكونات وهي في هذا الإطار تحتمي بعبارة عناصر غير منضبطة، تلقفاً للأعمال الانتقاميةِ التي تحصل في كل المناطق ولا سيما ذات الطابع الطائفي، في النهاية لن تقبل المكونات العيش تحت كنف الدولة الإسلامية الأحادية مهما جمّلت صورتها، إذا كان حلفاؤها من الائتلاف غير راضين، فكيف بالحري باقي المكونات وهذا مفتاح الصراع والنضال الجديد حيث سيخلق حتمًا تحالفاتٍ جديدة ستكون نواة الثورة المضادة تلك.
موقف الدول العربية
إذاً المكونات الخائفة، الائتلاف الممتعض والدول العربية المرتابة من الموجة الإسلامية التي خبرتها في العقد الماضي وتعلم يقيناً أن نجاحها في سوريا "العلمانية المدنية" ممرٌ إلزامي يوصلها إلى كل العواصم العربية، مصر الأردن السعودية والإمارات، وهنا نعود بالحديث إلى النزاع الدفين العميق التركي القطري من جهة والخليجي العربي من جهة ثانية كبديل غربي احتياطي عن النزاع السني الشيعي وكردٍّ مباشرٍ على تحالف بيجين الموقع بين إيران والسعودية، فمستوى الصراعات والخلافات على أنواعها لا يجب أن ينخفض في المنطقة.
قسد شمالًا.. بنو معروف جنوبًا
لم تنتهِ المواجهات العسكرية مع سقوط النظام في دمشق، وأوجها في الشمال الشرقي حيث يبدو التحدي العسكري والسياسي الأكبر للسلطة الجديدة، فهي تحاول فرض قوتها على الأرض هناك كمقدمة إلزامية للمفاوضات الجارية على وقع النار والبارود، والرقة ميدانها والنفط عنوانها، والمصالح التركية هدفها، لا قبول بأي شكل من أشكال الكيان الكردي الذاتي على الحدود الشمالية، وهذا أيضًا نواة تحالفات جديدة مع مكونات جديدة لقيادة ثورة مضادة تنطلق من الشمال هذه المرة لتلاقي ربما بنو معروف الذي طرح صوت الانضمام إلى الجولان الإسرائيليِّ اختياراً حسب تعبيرهم صباح اليوم "الشر الأهون من الشرين"
إذًا تحديات جسام مرتبطة مباشرة بأمن واستقرار المنطقة ومنشطة للتحديات الداخلية في الدول العربية قبل الخارجية، كلها على طاولة البحث في رسم استراتيجيات جديدة لتحالفات محلية إقليمية ودولية جديدة، كل ذلك إبان دخول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض سيكون لنظرتها إلى السياسة الخارجية الأثر الأكبر على مجريات وتحديات السنوات المقبلة،
حيث يصبح الحدث السوري تفصيلًا وجزءًا من المشهد الكلي وسط تسارع وتعاظم الأحداث المقبلة.