نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
"حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنّهم على حق"، تمامًا كمحاولة كمّ الأفواه التي حصلت ليل أمس الإثنين، مع الناشطات والصحافيات سحر غدار، غنى غندور وإفلين مهوس، لمنعهم التعبير عن رأيهم الحرّ، الجريمة الموصوفة التي يقدم عليها البعض ظنًا منهم أن قراراتهم المرتهنة لأصحاب النفوذ والمصالح الشخصية يمكن أن تمرّ مرور الكرام أو تدفع الإعلاميين الوطنيين إلى الرضوخ أو الخضوع.
ولأنّ الحق يعلو ولا يُعلى عليه، أخلي سبيل الناشطات والصحافيات بعد استدعائهن إلى قصر العدل من قبل مكتب جرائم المعلوماتية، وذلك على خلفية نشر فيديوهات تنتقد السياسة الإعلامية لمحطة الـ"أم تي في" اللبنانية إبّان العدوان الإسرائيليّ على لبنان، الأمر الذي استدعى المحطة إلى رفع دعوى بحقهنّ وبالتالي استجوابهنّ ليل الاثنين، فكانت الحرية للأصوات الحرّة التي ترفض القمع والانحياز، وتبقى وفية لقضايا الوطن والإنسانية، فكلمة الحق لم تُوقفها أي قيود.
وفي هذا السياق،، كانت قد أصدرت نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع بيانًا مفاده أن رفع شكاوى قضائية على إعلاميين وصحافيين ومؤثرين هو أمر طبيعي ومفهوم، والتعامل معها يكون تحت سقف القضاء المختص بآليات واضحة ومعروفة لا تشمل التوقيف، أما أن يتم توقيف صحافيين ومؤثرين بسبب دعاوى ممن يطالبون بالحريات ويدّعون الحرص عليها، فأمر غير مقبول".
فمن الطبيعي الحديث عن انقسام بين اللّبنانيين بشكل عامودي، إلّا أنّ الموقف من العدو من المفترض أن يكون خارج الإنقسام، فإلى متى يبقى غياب المعنيين أمرًا خطيرًا عن تهم التحريض على القتل في زمن الحرب وإثارة النعرات الطائفية، وتهديد السلم الأهلي والنيل من الوحدة الوطنية التي وجهها بعض الأفراد والجماعات عبر حساباتهم ومنابرهم؟
وإلى متى تَنْظُرُ إلى الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟
وهل الحقيقة المُحزِنَة هي أنَّ المُحاسبَة للفاسِد عندنا لا وجودَ لها ما شجّعَ ضِعاف النفوس على مُمارسة الفساد بالصورة التي يريدونها وبالطريقة التي تضمن لهم تحقيق ما يسعون إليه، ما داموا قد ضمنوا غياب المُحاسبَة والعقوبة والقصاص، فهل يجوز إعطاء براءة ذمّة لمَن يعمل على تغطية الفساد بالفساد؟
فما سمِعتُ يومًا ببلدٍ يُكرّم الفاسد، إلاّ عندنا... والغريب أنَّ الدولة اللّبنانية تمرّ مرور الكرام من جانبه، ولكنّ طمس الحقائق لا يغيّبها وإنكار الحقوق لا يلغي وجودها.
في السياق عينه، فإن حملات التهديد ومحاولات القمع التي طالت الصحفيين في الفترة الأخيرة، بسبب مواقفهم من الحرب التي يتعرّض لها لبنان وبشكل خاص الجنوب، لا يمكن أن يُسكت عنها تحت أي ذريعة، ومن واجب القوى الأمنية والقضاء الكشف عن ملابساتها ومحاسبة مرتكبيها لحماية أصحاب الرأي أولاً، ومن أجل جلاء الحقيقة أمام الرأي العام.
فلبنان بلد الحريات والتعدّد، تمامًا كما أثبتت الصحافيات الشجاعات، والمواجهة يجب أن تكون بالصوت والكلمة، وعلى الرغم من التهويل، إلّا أنه يجب الاستمرار في رفع الكلمة وقول ما نعتقد أنه لمصلحة وطننا واللّبنانيين، لأنّ أي مساومة على هذه الحريات سيُدفع ثمنها لاحقًا.
ولأنّ الإعلام كان في صُلبِ هذه الحرب، إمّا أن يرتَقيَ إلى مُستوى المسؤوليةِ الوطنيةِ ويساهمُ في تعزيزِ الوَحدَةِ الوطنيةِ وصَوْنِها وحمايةِ البلد، وإمّا أن يَنزلِقَ إلى الخلافاتِ والتشنُّجاتِ فيُصبِحَ خَطَرًا علينا جميعًا.
فعلى الجميع أن يعلم أنّ حرية الإعلام، مقدّسة، نتمسَّكُ بها وندافِعُ عنها، صحيحٌ أننا في لبنان نتمتَّع بحُرية التعبير وحرية الإعلام، لكنَّ هذه الأخيرة ينتفي هدفُها ورسالتها حين تسقطُ في فخِّ الخلافات والسياسات الضيّقة، أو حينَ لا تترافَق مع حِرفيّةٍ عاليةٍ وخُبرة كبيرة.
في المحصلة، على الدولة اللّبنانية بمن فيها، تحمُّل زمام المسؤولية، بدءًا من وزير الإعلام زياد المكاري، مرورًا بالأجهزة الأمنية إلى جانب القضاء اللّبناني.