طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
في موازاة العمل الجاري لدرء أي انعكاسات سلبية للمشهد السوري الجدي على لبنان بعد سقوط النظام وسيطرة قوى المعارضة على السلطة في سوريا، يقود رئيس مجلس النواب نبيه بري ورشة رئاسية يفترض أن تنتهي بانتخاب رئيس جمهورية جديد في جلسة الانتخاب المقررة في 9 كانون الثاني المقبل ومن ثم الانطلاق إلى تأليف حكومة جديدة تتحمل مسؤولية النهوض بالبلاد ومحو آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على البشر والحجر.
ويركز بري في اتصالاته على وجوب حصول توافق بين مختلف الكتل النيابية والسياسية على رئيس توافقي لا يشكل تحديًا لأحد في ضوء ما كان اتفق عليه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في لقائهم الثلاثي الشهير قبل أسابيع وحظي هذا الموقف بتأييد غالبية الكتل النيابية القوة السياسية. ولم يؤثر على عمل بري تدخل الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تتسلم مهماتها بعد في ضوء ما عبر عنه مستشار الرئيس الأميركي المنتخب للشؤون العربية مسعد بولس، عندما علق على تحديد موعد جلسة انتخاب الرئيس اللبناني وتشديد المعنيين على أنها ستكون ناجزة، حيث اعتبر أن موضوع الرئاسة اللبنانية "شائك" مؤكدًا "أن من انتظر فترة سنتين من الفراغ الرئاسي في إمكانه أن ينتظر شهرين أو ثلاثة". الأمر الذي اعتبره كثيرون تدخلًا أميركيا مباشراً في الاستحقاق الرئاسي وأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترغب أن ينتخب الرئيس اللبناني بعد توليها مسؤولياتها الذي لن يكون قبل الربيع المقبل، ما يعني أن جلسة 9 كانون الثاني قد لا تنتهي بانتخاب رئيس جديد إلا بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل على الأقل.
لكن من الواضح أن برّي لم يتوقف عند كلام بولس وهو يستعجل الخطى في اتجاه تأمين انتخاب الرئيس العتيد في الجلسة المقررة بناء على دعوته في 9 كانون الثاني. وينقل زواره عنه تأكيده وتصميمه على أن هذه الجلسة ستكون ناجزة وأنه سيبقيها مفتوحة لتتخللها دورات انتخابية متتالية إلى أن تنتهي بانتخاب رئيس ينال الأكثرية النيابية التي تمكنه من الفوز إن تعذر توافق الكتل على مرشح معين.
ويقول زوار بري أنه لا يقفل الباب أمام أي مرشح يتفق عليه الجميع أو يستطيع الحصول على تأييد أكثرية أعضاء المجلس النيابي خصوصًا إذا خرج رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية من السباق الرئاسي وهو المرجح في حال لم يترشح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ففرنجية يحظى بتأييد الثنائي الشيعي وحلفائه، ولكن بعد التطورات الأخيرة بات ترشيحه موضوع بحث في اتجاه أن يسمي هو مرشحًا أو يدعم مرشحًا في حال سحب ترشيحه وهو ما اتفق عليه مع موفدي رئيس المجلس النائب علي حسن خليل وأحمد البعلبكي.
علمًا أن بري يعتبره "عماد المرشحين" إن تقرر أن تخاض العملية الانتخابية تنافسًا ديموقراطيًّا بين مرشحين اثنين أو أكثر، وإن قرر جعجع ترشيح نفسه إلى درجة أن البعض يؤكد أنه في حال حصلت المنافسة بين فرنجية وجعجع ربما يكون الفوز حليف فرنجية لكثير من الاعتبارات السياسية الداخلية وحتى الخارجية.
علمًا أن فرنجية وعلى الرغم من دعم "الثنائي" وحلفائه لترشحيه طرح نفسه منذ البداية مرشحًا توافقيًّا وليس رئيس تحد لأي فريق، على حد ما يقول بري.
على أن بورصة أسماء المرشحين بدأت تزدهر هذه الأيام وكان الجديد الذي دخل إليها هو النائبان الكسروانيان فريد هيكل الخازن (من كتلة فرنجية النيابية) ونعمة فرام في ظل تلميحات قواتية لإمكان ترشح جعجع أو أحد النواب من كتلة "الجمهورية القوية" كذلك النائب ابراهيم كنعان الخارج من "التيار الوطني الحر" وكتلته "لبنان القوي" وكذلك سفير لبنان في الفاتيكان العميد جورج خوري إلى جانب قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يقال أن الولايات المتحدة والسعودية ودول المجموعة الخماسية عمومًا تؤيد انتخابه، وينطبق الأمر نفسه على المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري على رغم ما يتطلبه ترشيحهما من تعديلات دستورية وقانونية يمكن أن يتم إجراؤها بقوة التوافق إن وقع الاختيار على أي منهما.
وتقول مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي أن ما يتحكم به كان ولا يزال موقف كل من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" ما يؤكد تكرار أن العقدة كانت مارونية وما تزال، فلكل منهما حساباته السابقة واللاحقة وما يعلنان عنه هو عكس ما يضمرانه إلى درجة أن البعض لا يستبعد إن استمرا على هذا المنوال أن يتأخر انتخاب الرئيس إلى ما بعد الانتخابات النيابية ربيع العام 2026. فموقفهما من ترشيح قائد الجيش وحتى من ترشيح البيسري غامض وربما رافض، فـ"القوات" موقفها من ترشح عون مرن وغير واضح تجاه البيسري، فيما موقف التيار رافض لعون ومرن تجاه البيسري. ولذلك إذا لم يتطور موقفهما إيجابًا إزاء أحد هذين الاسمين أو إزاء مرشح ثالث يمكن أن يتم التوافق عليه، فإن جلسة 9 كانون الثاني قد لا تكون مثمرة في هذه الحال، وإن تم تأجيلها إلى ما بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، فإن الرئيس اللبناني الجديد لن ينتخب قبل الربيع المقبل بعد أن تكون الإدارة الأميركة الجديدة باشرت مهماتها.
وما لفت المراقبين في هذا المجال هو ما قاله النائب القواتي جورج عدوان قبل أيام حيث استبعد أن تكون جلسة الانتخاب في 9 كانون الثاني ناجزة وتوقع أن يتم تأجيلها أسبوعين، الأمر الذي فسره البعض بأن "القوات" تنوي ترشيح جعجع بعد تولي ترامب مقاليد الرئاسة وتراهن على بروز تطورات في المواقف الداخلية والخارجية وعلى مستوى الأحداث التي تشهدها المنطقة يمكن أن تصب في مصلحة هذا الترشيح. اللهم إلا إذا كانت "القوات" تريد من التأجيل أن يطيح بالمرشيحن الجديين المطروحين لمصلحة أسماء جديدة قد يكون في حوزتها أحدها ولم تكشف عنه بعد.
على أن مصادر المعنيين بالاستحقاق بدأت تلمح محاولات أفرقاء من المعارضة للتهويل على الفريق الآخر، أي الثنائي الشيعي وحلفائه ليقبل بمرشح من كنفها أو قريب منها تسميه "سياديًّا إصلاحيًّا" تحت طائلة أن عدم قبولهم به وذهابهم إلى تأييد مرشح آخر سيمنع عودة دول الخليج وكذلك دول غربية إلى لبنان بدعمها ومساعداتها التي يحتاجها أكثر من أي وقت مضى بعد الحرب التدميرية الإسرائيلية التي تعرض لها والتي لم تنته فصولها بعد.
لكن هذه المصادر أكدت أن الثنائي وحلفاءه لا يمكنهم الخضوع لأي ضغط أو ابتزاز من هذا النوع وأن المعارضة ربما تخطىء إذا ظنت أنهم ضعفوا بنتيجة الحرب الإسرائيلية ومن ثم بنتيجة سقوط النظام السوري. وأنها إذا كانت ستتعامل بهذا المنطق فسيكون مؤداه استمرار الفراغ الرئاسي إلى فترة إضافية لا يمكن تحديد مداها، إذ لا يمكن للثنائي وحلفائه القبول بأي مرشح لا يرضيهم مهما طال الفراغ الرئاسي واستطال.
لكن في اللقاءات التي يعقدها فريق المعارضة، تقول المصادر، أن بعضهم يطرح جديًّا أنه لا يجب التعامل مع الثنائي وحلفائه بمنطق الاستضعاف واعتبارهم مهزومين لأن ذلك يؤدي إلى مفعول عكسي ويزيد الأزمة تعقيدًا. ويرى أصحاب هذا المنطق أنه على رغم كل ما جرى فإن هذا الفريق ما زال يملك حق الفيتو إزاء أي مرشح لا يقبل به، الأمر الذي يفرض التوصل إلى توافق معه على رئيس للجمهورية.
ويؤكد هذا البعض في المعارضة أيضاً أن الفريق الآخر لم يضعف وبالتالي لا يمكن إقامة سلطة بديلة في البلاد من دون التوافق معه، فحضوره السياسي لم يضعف بل على العكس قوي وكبر لأن البيئة الخاضنة له لم تتراجع أو تتراخى رغم كل ما تكبدته من خسائر بشرية ومادية كبيرة وهي ستترجم ذلك بحضورها الفاعل في الانتخابات النيابية عام 2026 التي ستكون حافلة بالمفاجآت، لأن لوائح الثنائي وحلفائه ستفوز بقوة الشهادة والدماء التي قدموها في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويكفيهم فقط شهادة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والقادة الكبار في الحزب والمقاومة التي وحدها تشكل المخزون السياسي والعاطفي والشعبي وقوة الدفع الانتخابية الكبيرة لتحقيق فوز كبير جدًّا لهذا الفريق لأن من استشهدوا سقطوا في مواجهة العدو الإسرائيلي ولم يسقطوا في حوادث أمنية أو عمليات تفجير في حروب داخلية مع أفرقاء آخرين، ومثل هذا الأمر تبدو المعارضة غير قادرة على استيعابه حتى الآن، ولكنها قد تتمكن من إدراكه واستيعابه بما يعيدها إلى العقلانية في قابل الليالي والأيام.