د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
بمعزل عن المواقف السياسية و"النكد" و"النكايات" السياسية التي تُمارسها بعض القوى والأطراف السياسية في لبنان، وبعد انتهاء فترة الشغور في سدة الرئاسة وانتخاب الرئيس جوزاف عون ومن ثم إجراء الاستشارات النيابية الملزمة وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، بات من المفيد الإضاءة على بعض النصوص والقراءات والاجتهادات والتفسيرات الدستورية لمسألتي التكليف والتأليف أو ربما التشكيل كما يُفضل البعض تسميتها لمرحلة ولادة الحكومة الجديدة.
لقد بدأت مسألة التكليف لتشكيل الحكومة العتيدة تستأثر بالاهتمام السياسي باعتبارها الخطوة الأولى اللازمة التي يجب أن تسبق مرحلة التأليف، وهذا المسار جاء إنفاذًا لأحكام الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور ، التي تقول " يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، بالاستناد إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميًا على نتائجها".
هذه الفقرة التي أقرت مع التعديلات الدستورية التي رافقت اتفاق الطائف عام 1990، برز معها تساؤل عما إذا كانت صفة "الملزمة" التي وردت في هذا النص يقصد بها ملزمة من حيث إجراؤها أو من حيث نتائجها؟.
بعض الآراء القانونية والاجتهادات والتفسيرات ترى أن الرأي استقر على أن هذه الاستشارات ملزمة للرئيس من حيث إجراؤها ومن حيث نتائجها أيضا، وجرت الممارسة على أن الرئيس يتقيد بنتائجها كما هي، ويسمي الشخصية التي نالت أعلى الترشيحات النيابية خلالها، بمعزل عما إذا كان هذا التأييد يشكل أغلبية مطلقة أو أغلبية عادية أو أغلبية موصوفة، وتاليا رئيس الجمهورية عليه أن يسمي الشخص الذي نال أكبر عدد من الأصوات .
في المقابل، يرصد البعض أهمية الإجراءات المطلوبة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة من خلال ثلاثة محاور أساسية هي:أولا: تأكيد دور"الحكم" لرئيس الجمهورية بعد أن كان هذا الدور يتصف بخصائص الحاكم الفرد قبل 21/9/1990(الطائف).
ثانياً:الإفساح في المجال أمام النواب لتشكيل "حكومة المجلس"عبر اختيارهم وتسميتهم للرئيس المكلف،الأمرالذي يعني عملياً تحميل النواب مسؤولية اختيارهم من دون أي شخص آخر.
ثالثاً: تحرير عملية التكليف من سلطة القرار الحاسم لرئيس الجمهورية وربطها بمجلس النواب مما يجعل ارتباط الرئيس المكلف والحكومة لاحقاً بمجلس النواب أكثر واقعية من الارتباط مع رئيس الجمهورية.
ويرى البعض أن نتيجة الاستشارات يمكن أن تكون واحداً من ثلاثة احتمالات هي: أولاً:أن تسمي الأكثرية المطلقة من النواب اسماً معيناً لتشكيل الحكومة، وفي مثل هذه الحالة يصبح على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم التكليف لمصلحة الاسم الذي أجمعت عليه الأكثرية النيابية "بشهادة رئيس المجلس"على هذه النتيجة.
ثانياً: انتهاء نتيجة الاستشارات لمصلحة إسمين وبالتساوي، وثالثا: تسمية أقلية نيابية لشخص معين وترك الأكثرية النيابية الحرية لرئيس الجمهورية في عملية الاختيار، وفي الإحتمالين الأخيرين تكون الأكثرية النيابية قد أسقطت صفة الإلزام عن الاستشارات وفوضت رئيس الجمهورية بالإنابة عنها لاختيار الرئيس المكلف.
فالإجراءات المطلوبة لتكليف رئيس تشكيل الحكومة لم تتغير منذ سنة 1943 وحتى اليوم إلا لناحيتين هما: أولاً: تكريس إجراء الاستشارات بنص دستوري بعد أن كان يتم عرفاً وتقليداً، ثانيا: إعطاء نتيجة الاستشارات صفة "الإلزام".
وهناك أكثر من رأي واجتهاد وتفسير لنص الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور التي تحدثت عن الإلزام والتشاور في نفس الوقت، وعلاقة ذلك بمبدأ فصل السلطات مع الإشارة إلى أن التشاور لا يعني في نهاية الأمر إلا الاستئناس بالرأي.
يبقى التذكير بأن المسار الدستوري الذي ينطلق غداً بالاستشارات النيابية غير الملزمة التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف مع الكتل النيابية في مجلس النواب وتحت قبة البرلمان، تُمهد لبلورة التوجهات حول تشكيلة الحكومة الجديدة، ويلي ذلك وضع مسوّدة التشكيلة الحكومية التي تأخذ في الاعتبار التوزيع الطائفي والمذهبي، والتوازنات السياسية والكفاءة والاختصاص.
ويُناقش رئيس الحكومة المكلّف التشكيلة الحكومية مع رئيس الجمهورية الذي يُصدر مرسوم التشكيل بالتوقيع مع رئيس الحكومة،بعد ذلك يُقدم رئيس الحكومة بياناً وزارياً يُحدد فيه برنامج عمل الحكومة وأهدافها، ثم يُعرض البرنامج على مجلس النواب في جلسة عامة لنيل الثقة.

alafdal-news
