كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
لم يكد يمضي على انتخاب رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون أربعة أيّام، حتّى واجهته في اليوم الخامس، أزمة ميثاقيّة ودستوريّة وسياسيّة، لم يكن يحسب لها حسابًا، في الاستشارات النِّيابيّة الملزمة لتسمية رئيس للحكومة، فجاءته الرِّسالة من "كتلة الوفاء للمقاومة" التي يرأسها النائب محمد رعد، بأنَّ الكتلة لن تشارك في الاستشارات، أو تأجيل موعدها، لأنَّ المسار الذي تسير فيه، هو خارج عن التّفاهم الذي حصل، بأن يسمّى الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، لأنَّه رافق الحرب الإسرائيليّة المدمِّرة على لبنان، من موقعه كرئيس حكومة تصريف أعمال، وكان أداؤه جيّدًا، كما الجيش اللبنانيّ الذي كان إلى جانب المقاومة بقدراته، بقيادة العماد جوزاف عون، الذي هو الرَّئيس ميقاتي يتابعان تطبيق وقف إطلاق النَّار، ورفض الشُّروط الإسرائيليّة والإملاءات الأميركية، وحصر تنفيذ الاتفاق جنوب الليطاني فقط، ودون التَّوسّع شمال الليطاني، كما يطلب العدوُّ الإسرائيليُّ وترغب أميركا التي تلعب دور الرَّادع للعدوِّ الإسرائيليِّ في وقف اعتداءاته على لبنان، وتدمير مدنه وقراه والانسحاب المبكر من أراضيه المحتلة.
هذا كان العنوان الأساسي، لتفاهم الثُّنائي "أمل" و"حزب الله" مع العماد عون قبل انتخابه وأثناءه، بحيث يشكّل اطمئنانًا وضمانة لـ "حزبِ اللّه"، الذي أعلن التزامه باتفاق الطائف والعمل تحت المؤسّسات الدُّستوريّة، هو ما يقوم به منذ العام ١٩٩٢، وترك أمر الانسحاب الإسرائيليّ للدَّولة اللبنانيّة عبر الجيش، فشكَّل هذا النَّهج السِّياسي، ارتياحًا داخليًّا، ولاقى قبولًا عربيًّا، لا سيّما من السُّعودية التي ارتاحت للالتزام بـ"اتفاق الطَّائف"، وهو سهّل التَّفاهم على انتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهوريّة والذي لقي دعمًا أميركيًّا وتأييدًا فرنسيًّا، وحظي بتوافق لبناني، لم يظهر في الاستشارات النِّيابيّة المُلزمة لتسمية رئيس الحكومة، فتقدَّم اسم السَّفير نواف سلام على ميقاتي، ممّا ترك قلقًا لدى "حزبِ اللّه"، بأنَّ ما يجري هو خروج على التَّفاهم مع رئيس الجمهورية، وغطاء سعودي ومحاولة أميركية لإنهاء وجود "حزب الله" سياسيًّا، بما لا يؤثر في قرار الحكومة اللبنانيّة، التي ترفض واشنطن مشاركة "حزب الله" في كل الحكومات التي تعاقبت على لبنان منذ العام ٢٠٠٥، لأنها تصنفه وفق زعمها بأنَّه "منظَّمة إرهابيّة"، لأنه يقاوم العدوَّ الإسرائيليَّ، فرأت أميركا بأنَّ الفرصة مُتاحة لها، بأن تقصي "حزب الله" عن الحكومة، وأن تشكّل حكومة، لا يكون "حزب الله" فيها، ولا مانع من أن يتمثَّل الشِّيعة بحركة "أمل"، التي تشارك في الحكومات منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، لكن الرئيس نبيه برّي رفض إقصاء "حزب الله" وتضامن معه، فلم يسمِّ أحدًا لرئاسة الحكومة، وهذا ما أدخل لبنان في أزمة دستوريّة، بأن لا يشارك مكوِّن سياسيّ لديه ٢٧ نائبًا يمثِّلون الطَّائفة الشِّيعيّة في السُّلطة التَّنفيذيّة وهو يناقض "صيغة العيش المشترك"، التي تعرف دستوريًّا بـ "الميثاقيّة" أو "الديمقراطية التَّوافقيَّة"، بحيث لا يمكن للرَّئيس المكلَّف نواف سلام أن يتجاهل الطائفة الشيعية من خلال "أمل" و"حزب الله"، ولا يمكن لرئيس الجمهورية الذي أقسم على الدستور بالمحافظة عليه وتطبيقه، أن يوقع مرسوم تشكيلِ حكومة لا يوجد تمثيل فيها لمن يمثل الطائفة الشيعية، بحيث بدأت التفسيرات للدستور، بأنَّ المناصفة هي بين المسلمين والمسيحيين، وليس بين مذاهبهم بحيث يرى نواب وقوى سياسية وحزبية، بأنَّ عدم مشاركة "حزب الله" ومعه حركة "أمل" بالحكومة، هو حقٌّ سياسيٌّ لهما، لكنه غير ملزم دستوريًّا لرئيس الحكومة المكلف، الذي قد يكون شكَّل حكومته من غير السّياسيين أو التَّمثيل النِّيابي، لكن هذا يحصل بعد التشاور مع الكتل النِّيابيّة التي ستمنح الحكومة الثقة.
فبداية العهد بدأت بأزمة تهدّد الوفاق الوطنيّ...