رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
أُنجز انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، تحت وطأة التغيير الدراماتيكي في موازين القوى بالداخل اللبناني والمنطقة، وليس بالتوافق والاتفاق الداخلي بين القوى والأطراف اللبنانيين، كما يحلو للبعض تبرير تحوُّله، من معطل رافض لانتخاب رئيس للجمهورية، إلى حامي التغيير وقائد حركة الإصلاح غبّ الطلب، بعد أن كانت المطالبة بانتخابات رئاسية قبل عام من المحظورات، التي تُرمى بشتَّى النعوت وتواجَه برفض وفوقية واستقواء، فكان وقتها ربط الاستحقاق الرئاسي بالمسار الإقليمي لحرب غزة قائماً بقوة، وهي حرب ما تزال مستعرة حتى اليوم، ولم يكن أحد باستطاعته تخطي هذا الرفض، المحكوم بإغلاق محكم للمجلس النيابي.
فالانتصار لغزة وشعبها، واجهه لبنان بحرب إسرائيلية واسعة النطاق ومدمِّرة لشعبه، لم تنفع معها كل الوساطات الأميركية والغربية في كبح جماحها، لتنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، تضمن شروطاً مُحكمة وتنازلات لبنانية، بعد احتلال القرى والبلدات اللبنانية المواجهة للمستعمرات الإسرائيلية.
كما أدى السقوط السريع للنظام السوري، الأثر البالغ على مسار لبنان السياسية واستحقاقاته الدستورية، كوقائع ومتغيرات دراماتيكية غير منتظرة، قلبت الواقع الأمني والسياسي في لبنان، رأساً على عقب، وانطلاقًا من الساحة اللبنانية، أصبحت فجأة متاحة وممكنة، بمعزل عن انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وخارج سيطرته، وفي عهدة الوسيط الأميركي وباقي أعضاء اللجنة الخماسية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، والترشيحات التي كانت ممنوعة من الصرف، مقبولة ومنها ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، ويحظى بالدعم العربي والأميركي والفرنسي والدولي، وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية أخيراً.
فكان الثمن الكبير الذي دفعه الرئيس نجيب ميقاتي حيال إقصائه عن إعادة تسميته لرئاسة الحكومة، خير دليل على التدخل الدولي والإقليمي الفاضح، ربما كان بسبب زيارته السريعة إلى تركيا، ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، ومن بعدها ذهابه إلى سوريا ولقائه رئيس المجلس الانتقالي السوري أحمد الشرع، وهو ما أخاف بعض القوى العربية في الإقليم، من فقدان الدور في إعادة ترتيب الشرق الأوسط، ولملمة أوراقه بحيث يكون الدخول من لبنان، بعدما تعذر من البوابة السورية لكثرة التداخل الإقليمي والدولي، وطرح المصالح بقوة مع قدرة في التأثير والنفوذ المتزايد على هذا البلد المنهك.
فاليوم إنجاز الاستحقاق الرئاسي يجب أن يضع خطاً عريضاً بين التعثُّر والضياع، والأمل الكبير بما تضمنه خطاب القسم الطموح، والذي يمكن أن يجسِّد إرادة الرئيس الجديد في إعادة بناء دولة المؤسسات، ووضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ، فلم يعد ينفع الحديث غير ذلك ولا العودة إلى الوراء، والأهم هو التطلع إلى الأمام، لتسريع خُطى إخراج البلد من الأزمات والمشاكل المتراكمة، إلى الحلول الملائمة للبلد والناس، سيّما وأن العهد الجديد جاء نتيجة تفاهمات دولية وعربية، وخاصة أميركية وسعودية، إذ ثمَّة ما يشير إلى استعدادات واعدة للدعم الكامل للبنان في الفترة المقبلة، سواء لإطلاق ورشة الإعمار، أم على مستوى الإصلاحات، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الحيوية لما فيه مصلحة البلدين.
الاستشارات النيابية وما سيليها من تكليف لصاحب أكثرية الأصوات بتشكيل الحكومة العتيدة، ستكون بمثابة الاختبار الأول لمسيرة العهد، ومدى قدرتها على تجاوز العقد التقليدية، والصعوبات السياسية، والنفاد إلى تجسيد المبادئ والعهود التي تضمنها خطاب القسم، قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به، ويدخل عالم النسيان، خاصة بعد العقبة التي استحضرتها بعض القوى السياسية ضمن منطق الربح والخسارة على مكون أساسي في البلد، وربما أخذ البلد إلى مواجهة أو حكومة مواجهة تفشل العهد في أول أيامه، لا مصلحة لأحد في بناء هذه المهاترات.
الرئيس جوزيف عون، من حيث ابتعاده عن بؤر الفساد، ووقوفه على مسافة واحدة من الأطراف السياسية، وعدم انتمائه إلى أي فريق من الأفرقاء المتصارعين على الحلبة الداخلية، يوحي بالثقة في الداخل والخارج، ويحظى بأوسع قاعدة تأييد شعبية ونيابية، لذلك عندما سأل أحد الأقطاب اللبنانيين الموفد السعودي الأمير يزيد بن الفرحان، عن مرشح آخر للخماسية غير العماد جوزيف عون، كان الرد الفوري للأمير: لا أحد، فهناك تفاهمات وضعت للحكومة ورئيسها من قبل الخماسية، لعل أهمها أن يكون الوزراء من أصحاب الكفاءات والخبرات والناجحين في اختصاصاتهم، وبعيدين عن الوسط السياسي وفساده، ويوحون بالثقة للبنانيين، وللعواصم المعنية بالوضع اللبناني، ويشكلون فريق عمل منسجم يكمّل التعاون والانسجام بين رئيسي الجمهورية والحكومة.
ورغم محدودية عمر الحكومة المنتظرة بفترة استحقاق الانتخابات النيابية في أيار من العام المقبل، فثمة مهام كبيرة وأساسية تنتظرها، في مقدمتها ملء الشواغر في الإدارات العامة والسلك الديبلوماسي، ووضع أسس معالجة الوضع المالي والنقدي، ومتفرعاته في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وحماية أموال المودعين، التي تعهد بها الرئيس في خطاب القسم، وتحريك المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وجذب الاستثمارات الخارجية، إلى جانب إعداد قانون للانتخابات النيابية المقبلة أدق تمثيلاً، من القانون الحالي.
تبقى المحطة الأبرز بعد انتخاب الرئيس واختيار رئيس مكلف للحكومة، هو تشكُّل التوليفة الحكومية، فالأهم هو النهج الذي ستسلكه السلطة التنفيذية، إما قطعًا مع الماضي السيىء الذكر، وإما استمرارًا له، وتشكّل هذه المحطة اختبارًا مفصليًّا تكاد تعادل أهميته أهمية انتخاب الرئيس، وبيّنت مشاورات الساعات الأخيرة أن مسألة اختيار رئيس الحكومة أخذت مداها المطلوب برعاية سعودية، لينطلق بعدها مسار اختيار الوزراء القادرين على تطبيق ما هو مطلوب من الحكومة من إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية ومالية اجتماعية، من دون إسقاط حقيقة أن الحكومة الأولى للعهد الجديد محدودة زمنيًّا بموعد الانتخابات النيابية ربيع سنة ٢٠٢٦.

alafdal-news



