نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
إذا أردنا أن نعرف ما يدور في رأس بنيامين نتنياهو، يفترض أن نعرف ما يدور في رأس الشيطان. السفير الأميركي المعيَّن لدى إسرائيل تحدَّث عن "تغيير في الشرق الأوسط بأبعاد توراتية". ولنتصوَّر موقع لبنان في ذلك الشرق الأوسط التوراتي...
الإسرائيليون يتحدثون عن عدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية يوم الثلاثاء المقبل، على الرغم من الاختلال الهائل الذي ظهر في موازين القوى، حيث أدَّى التغيير في سوريا إلى حدوث ارتجاج دراماتيكي في المعادلات الاستراتيجية على اختلافها، كما في الوقائع الميدانية. الإسرائيليون ما زالوا يتذرَّعون بالخوف على سكان الشمال، الذين بدا واضحًا مدى هشاشة انتمائهم إلى الأرض التي استولوا عليها عنوةً وطردوا أهلها منها.
لا أحد يدري ما جرى بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو حول لبنان، لكن ما يُستشف من وسائل الإعلام الأميركية أن تقارير رئيس لجنة مراقبة تنفيذ القرار 1701 تؤكد أن منطقة الحدود بين لبنان وإسرائيل باتت آمنة بصورة مطلقة، كما أن أي هجوم بري على الدولة العبرية بات مستحيلًا، في حين أن وسائل الإعلام ذاتها تتحدث عن انشغال "حزب الله" في ترميم أوضاعه على مختلف الأصعدة، مع استبعادٍ كاملٍ لعودة ترسانته العسكرية إلى وضعها السابق في ظل المستجدات التي طرأت على مستوى المنطقة.
وزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل، رون دورمر، وهو الأقرب إلى رئاسة الحكومة، قال: "إننا سنحتفظ بخمس نقاط استراتيجية داخل لبنان"، مضيفًا أن "قواتنا لن تنسحب في الأمد القريب، إذ إن التزامات لبنان، كجزء من اتفاق وقف النار، لا تشمل فقط إبعاد حزب الله عن الحدود الشمالية، بل تلحظ أيضًا نزع سلاح الميليشيا المدعومة من إيران، ومنعها من إعادة بناء قوتها". إنه منطق القوة، لا منطق القانون، وقد لاحظنا كيف أن القاذفات الإسرائيلية دمَّرت حتى المطابخ التابعة للجيش السوري، فهل تقبل بأي قوة، ولو كانت الجيش اللبناني، على الأرض اللبنانية؟
نعلم جيدًا مدى الأهمية العسكرية للتلال الخمس التي تسعى إسرائيل إلى الاحتفاظ بها، لكن هذا ما يمكن أن تدَّعيه دولة عادية ذات إمكانات تقنية وعسكرية محدودة. الخبراء يقولون إن باستطاعة الإسرائيليين إقامة أبراج للرصد، على غرار الأبراج التي دمَّرتها المقاومة، تكون أكثر تطورًا وأهمية من التلال، ناهيك عن أن الأقمار الصناعية ترصد حتى دبيب النمل في المناطق الحدودية، إذا ما أغفلنا دور طائرات الاستطلاع (العقارب الطائرة) المتطورة جدًا في هذا المجال.
الجنرال جيفرز يدرك ذلك، لكنها إسرائيل، التي يقول الفرنسيون إنها لم تكن تراهن فقط على انحلال الدولة اللبنانية، وإنما على انفجارها، إلى حد التأكيد على رغبتها في استمرار الفوضى السياسية والدستورية كسبيل إلى زوال الدولة، وهنا يأتي الحديث عن الدور الذي اضطلع به الإليزيه مع البيت الأبيض لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، بعدما أدت الحرب إلى حدوث تغييرات في المشهد اللبناني. يُضاف إلى ذلك توجس الإدارة الأميركية من امتداد الحرائق بطريقة تهدد ليس فقط المصالح الأميركية، وإنما أيضًا الوجود الأميركي في المنطقة.
وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، سيصل إلى تل أبيب خلال ساعات، لننتظر، ولكن ثمة من يتساءل عن موقف "حزب الله" في هذه الحال؟ هذه مسألة حساسة ولا مجال للحديث العلني عنها، لكن من الثابت أن قيادة الحزب، التي تتحمل الأعباء والتحديات في هذه الأيام، لا يمكن أن تقبل باحتلال ولو حبة تراب واحدة من أرض لبنان، مع وجود أكثر من وسيلة، غير الوسائل العسكرية، للتعامل مع أي واقع تحاول حكومة نتنياهو فرضه، خصوصًا أن السلطة الجديدة في لبنان تحظى باهتمام ورعاية القوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة، حتى وإن كان على رأسها رئيس برأس الأخطبوط...
كل هذا يأتي في ظل حالة من الاضطراب الدبلوماسي الحاد في أرجاء المنطقة بسبب القضية الفلسطينية، هناك أسئلة كثيرة تُطرح داخل القصور الملكية والرئاسية حول ما يدور في رأس دونالد ترامب وفريق عمله. ثمة تخوُّف حقيقي من "المشروع التوراتي"، الذي لا يقتصر على تغيير الخرائط، بل يمتد إلى تغيير الدول والأنظمة، بانتظار ما ستسفر عنه القمة العربية في مصر في 27 شباط الجاري.
هنا، يقول لنا دبلوماسي مصري مخضرم إن الأحداث "تجاوزت بكثير المبادرة الدبلوماسية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، والتي لم تصل إلى نيويورك بسبب الظروف المعروفة، ومنها بند حق العودة، لا بد، في هذه الحال، من قرارات محددة وآليات عملية واضحة، بعيدًا عن المتاهة اللغوية المعتادة، لأننا قد نكون أمام تغييرات كبرى في الشرق الأوسط".
لكن، ماذا يُقال في الأوساط الدبلوماسية الخليجية؟ "آن الأوان لكي يقوم دونالد ترامب بلجم بنيامين نتنياهو، الذي إذا ما استمر في جنونه الحالي، فقد يفجر الشرق الأوسط من أقصاه إلى أقصاه".
وهنا نسأل، وفق المنطق الأرسطي: هل المطلوب لجم بنيامين نتنياهو أم لجم دونالد ترامب؟