عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
ما حصل في الساحل السوري من مواجهات ومجازر، وما قد يجري من أحداث في مناطق أخرى لاحقًا، ليس مفاجئًا بالنسبة إلى من يواكب تطورات الملف السوري منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وحلول نظام هيئة تحربر الشام مكانه بقيادة أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني.
من اللحظة الأولى لانقلاب موازين القوى وتغير معادلة الحكم في سوريا، ساد البعض تخوف كبير من احتمال أن تجتاح الفوضى غير الخلاقة والنزاعات الطائفية تلك البلاد، خصوصًا في مرحلة انعدام الوزن التي نتجت عن الانهيار الدراماتيكي لسلطة الأسد وعدم اكتمال معالم سلطة الشرع.
لكن وغداة استلام الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام مقاليد الحكم، قيل يومها أن معدلات الارتكابات والتجاوزات التي سُجلت بعد رحيل الأسد كانت أقل من المتوقع، وأن الشرع استطاع أن يتعامل بواقعية وبراغماتية مع الوضع السوري بعد تعديلات أدخلها على سلوكه السياسي وحتى شكله الخارجي، تماشيًا مع متطلبات المرحلة الجديدة ودفتر الشروط الخارجي للانفتاح عليه.
في المقابل، كان البعض غير مطمئِن لما هو مضمَر في النفوس ولما تخفيه الحسابات المستترة، متخوفًا من الآتي الأعظم، على قاعدة أن الجمر لا يزال كامنًا تحت الرماد، وأن الهدوء الظاهري الذي ساد لبعض الوقت عقب سقوط الأسد هو من النوع الذي يسبق العاصفة.
وبالفعل ثبتت صحة هذه المخاوف مع الأيام، وأتت التوترات الأخيرة في الساحل والمناطق الدرزية لتعزز القلق من المستقبل وعليه، مع ارتفاع منسوب الهواجس الوجودية لدى بعض مكونات الشعب السوري، واتخاذ الحكم الجديد القرار بمواجهة أي مقاومة له عبر استخدام القوة المفرطة.
وإزاء التطورات الدراماتيكية التي وقعت خلال الأيام الماضية، هناك من يعتبر أن وحدة سوريا وتماسكها باتا مهددين أكثر من أي وقت مضى، وأن خطر تمزق الجغرافيا والديموغرافيا على وقع النزاعات الأهلية المتصاعدة آخذ في التفاقم والاتساع، لاسيما أن بعض الخارج يغذي الانقسامات السورية ويستفيد منها.
وليس خافيًا في هذا الإطار أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول والأكبر من تشظي المجتمع السوري وتفتيته، الى درجة أن تل أبيب أصبحت تقدم نفسها كضامنة لأمن أحد مكونات هذا المجتمع وحامية له، في حين أنها تشكل بطبيعتها العدوانية مشروعها التوسعي التهديد الاستراتيجي الأكبر لسوريا - الدولة ولكل الجوار الإقليمي، وهي لم تتأخر في استثمار التحولات الأخيرة لقضم مساحات إضافية من الأراضي "السائبة" واحتلالها، حتى باتت على أبواب العاصمة دمشق.
كذلك، فإن قوى خارجية أخرى تملك بدورها "أسهما" سياسية وعسكرية في الداخل السوري الذي أصبح يتوزع حصصًا على هذه الدولة وتلك، وبالتالي تسعى تلك القوى الى خدمة مصالحها وتعزيز نفوذها على حساب السوريين، ومن خلال استخدامهم حطبًا لمواقدها.
ولعل ما يفعله الكيان الإسرائيلي في سوريا حاليًا يشبه الى حد كبير ما فعله في لبنان قبل عقود، عندما أوهم إحدى الجماعات اللبنانية بأنه قادر على حمايتها فكانت النتيجة أنها دفعت غاليًا ثمن تصديق هذا الوهم.
وتدعو أوساط مواكبة للتطورات الأخيرة السوريين الى الاتعاظ من التجربة اللبنانية والتعلم من دروسها، منبهة إياهم الى محاذير الرهان على القوى الخارجية والاستقواء بها في مواجهة الآخر، مشددة على أن الضمانة الوحيدة لجميع التلاوين السورية تكمن فقط في احترام حقوقها وخصوصياتها بحيث لا يشعر أي طرف بأنه مضطهد أو مستهدف، وعندها تكتسب الدولة السورية المناعة الضرورية على قاعدة الشراكة والتوازن في تكوين السلطة، أما "المبضع الأمني" فهو قاصر عن معالجة أسباب المشكلة، ودوره لا يتجاوز حدود التعامل مع نتائجها.