د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
مجدداً، نجحت المملكة العربية السعودية في خطف الأضواء، بعدما تم اختيارها كمكان نموذجي لعقد القمة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، تمهيداً لإنهاء الحرب الأوكرانية.
الثلاثاء الماضي في 18 الجاري، اتجهت أنظار العالم إلى المملكة. فالصورة هناك كانت تتحدث عن نفسها. ماركو روبيو وسيرغي لافروف، وزيرا خارجية أمريكا وروسيا، يجلسان حول طاولة من الخشب الصلب تحت ثريات قصر الدرعية المبهر، استعداداً لإعادة تشكيل أوراسيا لبقية القرن الحالي. وبينهما يجلس الأمير فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، وابن عم ولي العهد محمد بن سلمان (MBS)، فيما كان لافتاً غياب أي ممثلين عن أوروبا أو أوكرانيا.
الرياض ودبلوماسية حل الأزمات
عملياً، كانت الرسالة التي أرادت الرياض إيصالها إلى العالم واضحة. المملكة الآن هي الدولة العربية الأكثر نفوذاً، متفوقةً بكثير على مصر، إضافةً إلى إتقانها فن اقتناص الفرص، للاستفادة من السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، خصوصاً وأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتمتع بعلاقات وثيقة بشكل ملحوظ مع شخصيات في إدارة ترامب.
أكثر من ذلك، ومن منظور سعودي، يمكن القول إن الحضور الأمريكي الأكثر أهمية في المحادثات في الرياض لم يكن روبيو، أو حتى مستشار الأمن القومي مايك والز، بل ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، وزميله في لعب الجولف أحياناً، والذي كان قد اختاره الرئيس الأمريكي لمقابلة بوتين في موسكو الأسبوع الماضي، حيث استمر الاجتماع، وفقاً لترامب، "لفترة طويلة جداً".
وباعتباره مبعوث ترامب إلى منطقة غير مستقرة، سيواجه ويتكوف بلا شك عقبات هائلة. ولكن في المشهد الدبلوماسي، حيث يحل الوسطاء الشخصيون محل المتخصصين في وزارة الخارجية بشكل متزايد، فمن غير المرجح أن يعتمد رئيس الدبلوماسية الأمريكية، على المسؤولين الذين يتبعون التعليمات الرسمية.
بالمقابل، سيجد الأمير محمد بن سلمان ـــ الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية ـــ في ويتكوف أيضاً شريكاً مطلعاً على عالم الدبلوماسية بين واشنطن والرياض، التي لطالما أولَاها ترامب نفسه أهمية كبرى انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية، فضلاً عن أنها تشكل المرجعية الدينية لغالبية العالم الإسلامي. لذا، كانت السعودية أول دولة أجنبية يزورها ترامب خلال رئاسته الأولى في مايو/أيار 2017.
السعودية وصناعة السلام
منذ هاجمت روسيا جارتها في شباط/فبراير 2022، قدمت الرياض نفسها كوسيط محتمل، فيما احتفظت في الوقت نفسه بعلاقة وثيقة مع كييف، واستقبلت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكثر من مرة، حيث حضر خلال إحداها قمة الجامعة العربية في جدة في أيار/مايو 2023. كما التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حزيران/يونيو الماضي.
ليس هذا فحسب، فقد تحولت السعودية إلى دولة محورية مركزية للقاءات الأقطاب والفرقاء، ما يعزز دورها في لعب دور الوسيط لبلوغ الحلول وليس مجرد المستضيف فقط. وتعقيباً على ذلك، قال السفير الروسي السابق في لبنان ألكسندر زاسبكين لموقع فرانس 24 إن "اختيار المملكة لإجراء المفاوضات "كان بسبب دورها المهم على الساحة الدولية وسياستها المتوازنة إزاء عدد من القضايا والملفات، بما في ذلك النزاع الأوكراني".
وأضاف: "الموافقة السريعة للقيادة السعودية على استضافة المفاوضات واحتضان القمة بين الرئيسين ترامب وبوتين تؤكد وعي المملكة بأهمية دورها في المساهمة في تهدئة الأجواء بين موسكو وواشنطن والعمل على وقف الحرب في أوكرانيا".
ورغم أن اجتماع الثلاثاء لم يسفر عن أي نتائج مذهلة، ولم يتم تحديد موعد حتى الآن لقمة بين ترامب وبوتين، فإن انتقاء الرياض، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي أولاً، يدفع السعوديين إلى تقديم أنفسهم كصانعي سلام في أوكرانيا، مستغلين مكانتهم كأكبر مصدر للنفط في العالم.
في المحصّلة:
يعد التدخل السعودي جزءاً من منطق الوساطة الذي تم اختباره منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي خريف عام 2022، رعت الرياض عملية تبادل للأسرى بين الطرفين المتحاربين، نتيجةً لموقف يهدف إلى تحقيق التوازن بين موسكو وكييف، وهو ما لم يكن مفهوماً جيداً دائماً في الغرب. كما تُعد الوساطة السعودية في الحرب الروسية الأوكرانية أحدث مظاهر الدبلوماسية الجديدة لمحمد بن سلمان، الذي لا يريد أي مشاكل مع جيرانه، كما هو الحال مع عظماء هذا العالم.