نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
في سهرة مع محمد الماغوط، وحيث تتداخل قهقهات الحضور (هل هي قهقهات الغضب أم قهقهات اليأس؟)، مع صوته وهو يلعلع في أرجاء المقهى الدمشقي "أين فرسان العرب؟".
لا صهيل للخيول هناك. قال "أفكر بالبحث عن قبر عنترة بن شداد في المشرق، وعن قبر أبي زيد الهلالي في المغرب، لأنبش عظامهما علّها توقظ العرب...".
لن نسأل اليوم "أين فرسان العرب؟" بل "أين مجانين العرب؟" حين نكون أمام تلك الثلة من الذئاب المجنونة. في واشنطن أم في تل أبيب؟
لا شيء ينقص العرب ليكونوا مثل مقاتلي "الفيتكونغ" في فيتنام، وحيث "متلازمة فيتنام" (Syndrome of Vietnam ) بقيت تلاحق الضباط والجنود الأميركيين لسنوات. رجاء شاهدوا فيلم "Apocalypse now "، أو "الرؤيا الآن" لفرنسيس فورد كوبولا. ولا شيء ينقص العرب ليكونوا مثل مقاتلي "طالبان" الذين أرغموا الأميركيين على الهروب تحت جنح الظلام، حتى أنهم تركوا حلفاءهم الأطلسيين يضيعون لأيام بين اللحى المسننة والعيون المسننة.
لا أحد يستطيع أن يغفل ما هي أميركا. وما مدى تأثير أسلوب حياتها (Lifestyle) في كل مجتمعات الدنيا. هيلين كارير ـ دانكوس الخبيرة في الشؤون السوفياتية، كتبت "لا حاجة لإزالة الأمبراطورية السوفياتية بالصواريخ العابرة للقارات.
تكفي رقصة الروك اند رول
دونالد ترامب لم يوقف طوفان الدم في غزة، وفي لبنان، لأسباب أخلاقية أو إنسانية.
كمية الجثث التي تكدست في العراء أو تحت الأنقاض تكفي لتغيير الشرق الأوسط وفق الرؤية التوراتية، وهو يتغير.
زميل أردني قال لنا أن الرئيس الأميركي أثار ذهول الملك عبدالله الثاني، وهو يتحدث عن غزة، وعن الضفة، كما لو أنها أرض معروضة للبيع على صفحات "الـ LIFE". لا بشر هناك بل جثث انتقلت إلى العالم الآخر، وأخرى تنقل بالحاويات إلى أي مكان آخر في هذا العالم.
هوبير فيديرين، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق يحذر من ذلك "الرجل الذي يجر الجحيم وراءه أينما حل"، سائلاً هل يمكن لفلسفة الصفقات العمياء أن تحكم العالم؟، و"إذا كان يريد أن يبيع القارة الأوروبية للقيصر، لمن تراه يريد أن يبيع الشرق الأوسط؟".
حتماً إلى ... الحاخامات.
ما يحدث الآن على الساحة اللبنانية ليس تطبيقاً لقرار مجلس الأمن، ولا للآليات القانونية أو العملانية، التي استخرجت من نصوصه، وإنما تطبيقاً للملحق الأميركي ـ الإسرائيليِّ الذي يضع الأرض اللبنانية بأكملها تحت العين الإسرائيليةِ وتحت الضربة الإسرائيليةِ.
ما الحل؟
الإجابة واضحة جداً من المبعوث الأميركي ستيف ريتكوف: التطبيع..
أمام الجالية اليهودية في واشنطن قال أن لبنان وسوريا على أهبة الاستعداد للتطبيع بعد الضربات التي وجهت إلى البلدين الخاليين كلياً من عوامل القوة.
باختصار الذئاب تعقد الصلح مع... الهياكل العظمية؟
تذكرون قول الجنرال رافاييل ايتان "لا سلام أشد فاعلية من السلام الذي تعقده مع الموتى".
إذًا بعد الجلجلة الخشبة. لا قيامة إلا في البكاء أمام حائط المبكى. أليس هذا ما يقوله التوراتيون بتلك الطقوس التي حملت ألبرت أينشتاين على التساؤل، حين زار القدس عام 1923 "أي دولة يريد أن يبنيها هؤلاء المهابيل؟".
إلى أن تدق ساعة التطبيع ـ ريتكوف يؤكد أنها آتية ـ لبنان وسوريا على صفيح ساخن.
نعلم لماذا لبنان. لكن سوريا ومنذ اتفاق فض الاشتباك في كانون الثاني 1974، والذي صاغه هنري كيسنجر، لم تطلق رصاصة عبر ذلك الخط، كما أن الإدارة الجديدة لم تتفوه بأي كلمة ضد إسرائيل.
الفرصة الآن ملائمة لإقامة قوس إسرائيليٍّ يمتد من حدود سوريا مع الأردن إلى حدود سوريا مع العراق.
عندما عقد مؤتمر "الحوار الوطني" السوري منذ أيام ارتفعت أصوات تقول بمواجهة إسرائيل، بعدما كان أحد معلقي صحيفة "إسرائيل هيوم" قد لاحظ أن وجودنا في ذلك الجزء من جبل الشيخ يتيح لنا أن نتمتع بإيقاع الطرقات على النحاس في سوق النحاسين في قلب دمشق".
هذا ليس بالكلام الرومانسي حين نسأل أين مجانين العرب لمواجهة اسرائيل؟ في قمة بيروت، عام 2002، تم إطلاق المبادرة الديبلوماسية العربية التي قلنا أن "بند العودة" دسّ فيها خجلاً. قبل أن تطوى الأعلام عند مدخل فندق فينيسيا، كانت دبابات آرييل شارون تقتحم بطريقة وحشية مخيم جنين، ليقول الجنرال (الطبيب) أفرايم سنيه، وبكل تلك الفظاظة "لا بأس من عودتهم، ولكن إلى المقبرة".
أي سلام يمكن أن يقوم مع ذلك النوع من البشر، حين يرى التلمود فينا كائنات بشرية في الشكل ولكن بـ"أرواح الحيوانات"؟
هل نراهن على ما تأتي به القمة العربية في مصر الاثنين؟
ديبلوماسي عربي مخضرم كشف لنا أن تهديدات مباشرة تلقاها قادة عرب بأن "لا تمس القمة الخطوط الحمراء". ولكن ألا تحذر النائب الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس رشيدة طليب دونالد ترامب بالقول "أنت الذي تقول بوقف الحرب في الشرق الأوسط إنما تدفع بتلك السياسات المجنونة، الشرق الأوسط إلى الانفجار"، داعية الرئيس الأميركي إلى ارتداء السترة الواقية.
لا أحد سوى مجانين العرب يخيفون مجانين إسرائيل الذين مضوا بعيداً في سياسات القهر والإذلال.
في هذه الحال، حتى الموتى يستيقظون، وعلى المجانين أن يستيقظوا...