غدير عدنان نصرالدين- خاصّ الأفضل نيوز
…لا يختلف الوضع كثيراً هذه السّنة عن سابقاتها، فلطالما كانت زيادة أسعار السِلع الغذائية لا سيَّما الفاكهة والخضار إحدى "طقوس" الشّهر الفضيل…ممَّا لا شكَّ فيه، أنّ شهر رمضان هذا العام يحمل معه عبئاً إضافياً على الصائمين خصوصاً بعدما أرهقت الحرب الأخيرة المتزامنة مع الأزمة الاقتصادية الممتدة منذ ٥ سنوات جيوب اللبنانيين. فقد أضحى معروفاً أنَّ الأزمة الاقتصاديَّة غيَّبت الكثير من العادات والتَّقاليد لدى الصَّائمين خلال الشهر المُبارك. فعلى ما يبدو، انتظار "رمضان" بفارغ الصَّبر لم يَعُد فقط حكراً على النَّاس، بل كانت الأسعار لهم بالمِرصاد تترقَّب بهدوء اللَّحظة المُناسبة لتقفز عالياً وِفقاً لمزاج كبار التُّجار وصغارهم.
فكيف ستكون حالة الأُسر ذات الدَّخل المحدود خلال الشّهر الفضيل؟ وما هي الخطة التي وضعتها وزارة الاقتصاد لتفعيل الرَّقابة على التُجار؟
استغلال التُّجار: "موضة" شهر رمضان
على الدّوام، اعتاد اللبنانيون عموماً، والمسلمون منهم خصوصاً خلال السَّنوات الماضية، على موائد الإفطار الشَّهيَّة المليئة بالأصناف السَّخيَّة والمتنوِّعة، وصولاً إلى الحلويات و العصائر، إلَّا أنَّ شهر رمضان أصبح بالنسبة للكثير تحدٍ ومواجهة مع الواقع الاقتصادي المؤلم الذي شكّل حالة اجتماعية تتكرر كلّ عام… لكن، منذ بدء الأزمة عام ٢٠١٩ حتى يومنا هذا، ازداد الحال سوءاً بسبب التَّكاليف الباهظة للطَّبق اليومي والرَّئيسي على مائدة الإفطار… فقُبيل حلول شهر رمضان، كالعادة، سجَّلت أسعار السِّلع زيادة حادَّة فلم يعد بمقدور أغلب الأُسر-التَّي يُصنَّف أغلبها ضمن الطَّبقة الوسطى- تحمُّل التكاليف.
فبين ليلةٍ وضحاها، وقبل بضعة أيام من حلول الشهر الفضيل قفزت الأسعار وحلَّقت، إذ لجأ التُّجَّار إلى رفع أسعار السِّلع الغذائية مثل الزَّيت، السِّكر، الرِّز، الجلَّاب، فضلاً عن "دَوْبَلَة" أسعار الخُضار، فالخس، البندورة و الخيار هي أنواع خُضار عاديَّة -ليست أنواع مميزة- بل أساسيَّة لإعداد صحن فتُّوش على كلّ مائدة، وكل ما يُقال عن أسباب تحليق الأسعار المرتبطة بالاستيراد والأزمة، ليس سوى حُجج يتخذها التجار لتبرير زيادتهم العشوائية للأسعار مع بداية كل موسم.
فالسؤال المنطقي: إذا كانت أسعار الخُضار الرئيسية لتحضير الإفطار تتضاعف مع قدوم شهر رمضان، فكيف للفقير أن يُعِد "صحن الفتُّوش" الذي يُعتبر تناوله من المُسلَّمات؟ فمِن غير المنطقي أن يبلغ سعر كيلو الخيار قبل قدوم شهر رمضان بأسبوعين ٨٠ ألف ليرة، و قبل يومين من قدومه يُصبح سعره ١٢٠ ألف ليرة، وضُمَّة البقدونس التي كان سعرها ١٥ ألف ليرة يرتفع سعرها ليُصبح ٢٥ ألف ليرة! فكيف للفقير أن يأكل بهذه الأسعار خصوصاً أنَّه الحل الأَوفر الذي قد يُطعم عائلته منه بالأخص مع ارتفاع سعر كيلو اللحمة من ١٠$ إلى ١٢$ و الذي أصبح طعاماً من الصَّعب أن يأكله أصحاب الدّخل المحدود كلّ يوم في ظلّ المُستلزمات الكثيرة للسُّفرة الرَّمضانية.
علاوةً عمَّا ورد سابقاً، ما يزيد الطِّين بِلَّة هي الفوضى في الأسعار و فروقاتها بين سوبرماركت و أخرى و بين محل و آخر، ضمن نفس المنطقة فـ "ذات الصُّنف" يكون بسوبرماركت أغلى من الثَّانية...
صيام تحت ضغط الأسعار: معاناة الأسر ذات الدخل المحدود
في حين أنَّ غلاء المعيشة وتزامنها مع الأجور المنخفضة باتا يُهدِّدان الموائد الرَّمضانيَّة للعائلات الفقيرة، لا يُمكن غض النَّظر عن كَوْن المُتضرر الأساسي من انخفاض الأجور هم العاملين في القطاع العام، فالأساتذة في المدارس الرسمية، الدَّكاترة في الجامعة اللبنانية، وغيرهم الكثير من موظَّفي الإدارات العامَّة كانت رواتبهم سابقاً أعلى بكثير و كذلك القدرة الشِّرائية.
ففي حديثٍ لـ "الأفضل نيوز" مع المواطنة ج.ق، وهي زوجة أحد العاملين في القطاعات الرّسمية، أشارت أنّ معاش زوجها لا يتعدّى الـ ٣٠٠$ على سعر الصرف ٨٩٠٠٠ والذي لا يكفي متطلبات العائلة الشهرية في الأيام العادية، فهل راتب ٣٠٠$ شهرياً-تحديداً في شهر رمضان- يُلبِّي احتياجات عائلات القطاع العام و من ضمنها سُفرة الشهر الفضيل التي تحتوي فقط على الأساسيَّات؟
وشدَّدت ج.ق خلال كلامها أن هذه السنة تحديداً انقلبت قدرتهم الشرائية كعائلة "رأساً على عقب" بالأخصّ بعد الحرب والنزوح الذي تعرضوا له، حسب قولها، فخلال هذا الشَّهر، سيلجؤون إلى التَّقنين في كميَّات الطَّعام و التَّخلي عن الكماليَّات مثل الحلوى الرَّمضانيَّة، و القبول ببعض الخُضار غير الطَّازجة مثلاً مُقابل شرائها بسعر أقل.
أبو حيدر: التَّواصل بين مديرية حماية المُستهلك ومنظمة الغذاء العالمية له أهمية في توسيع مروحة الرَّقابة
في سياقٍ متَّصل، أوضح المدير العام لوزارة الاقتصاد والتّجارة، الدّكتور محمد أبو حيدر، في حديثٍ لـ "الأفضل نيوز" أنّ مديريَّة حماية المُستهلك -قُبيل حلول شهر رمضان المُبارك وشهر الصَّوم عند الأخوان المسيحيين- تحرُص على دِراسةْ "١٠٠٠" متجر ب "٧٤" سلعة رئيسيَّة بالتَعاون من منظمة الغذاء العالمية، وبالتالي هي السلع الأكثر استهلاكاً خلال زمن الصوم… كما أشار أبو حيدر إلى أنّ هذا التواصل بين مديرية حماية المستهلك ومنظمة الغذاء العالمية له أهمية، إذ أنّه يوسّع مروحة الرَّقابة على أكبر عدد ممكن من المتاجر… موضحاً أنه فيما يخص السلع التالية: "الخُضار" و"الفاكهة" و"الدّواجن" سيكون هناك اجتماع مُشترك لمعالي وزير الاقتصاد، عامر البساط، ومعالي وزير الزراعة، نزار هاني، والنقابات المعنية نهار الثُّلاثاء القادِم (الواقع في ٤/٣/٢٠٢٥) للتنسيق بموضوع الرقابة المُشددة خلال زمن الصوم، ولفت أبو حيدر أنَّ الرقابة على المستورد قد بدأت، بالإضافة إلى الرقابة على نقاط البيع والموزّع من خلال مديرية حماية المستهلك ليتمكّنوا من مُلاحقة سلسلة الإمداد كاملةً، فضلاً عن تسطير محاضر للمُخالفين وإحالتهم إلى القضاء المختص.
إضافةً إلى ما ورد سابقاً، أشار أبو حيدر إلى عنصرين أساسيين أثَّرا على القطاع الزراعي. الأول تَمثَّل بموجة الصقيع التي أتت مؤخراً والتي كان لها تأثير على القطاع الزراعي وعلى بعض المنتوجات، والعنصر الثاني هو الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي الزراعية في الجنوب اللبناني والذي كان له دور في التأثير على العرض والطلب.
وختم مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة حديثه فيما يخص المواطنين الراغبين في تقديم شكوى تطال المحال/ السوبرماركت التي لا تلتزم بالأسعار المُتعارف عليها، يمكنهم ذلك عبر المنصة الخاصة بوزارة الاقتصاد وذلك لحماية المُستهلك.
MoEt digital services (Minstry of Economy and trade digital services)
في المحصلة، إنَّ تحليق الأسعار مع قدوم شهر رمضان في ظلّ انخفاض الأجور وغيرها من العقبات، باتت أزمة اقتصادية-اجتماعية تُلاحق اللبنانيين وتحديداً الطَّبقة الفقيرة خلال الشهر المبارك… فمع الأسف، اعتاد اللبنانيون في السَّنوات الأخيرة على استقبال الشهر الفضيل تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، لكن السنة مُختلفة نوعاً ما، حيث يتأرجح فانوس رمضان بين مطرقة تُجَّار الأزمات و سندان الحرب. إلّا أنَّ، رُغم كلّ الآلام و مع الظُّروف المأساويَّة، استقبل اللبنانيون الشهر الفضيل بعبارة "رمضان كريم" آملين أن تتبدل هذه الظُّروف بما يُفرح قلب المواطن قليلاً…