نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
من تضرب، وماذا تضرب، إسرائيل في سوريا؟
ربما من أكثر البيانات غباء تلك التي تصدر عن أفيخاي أدرعي حين تقول أن الغارات دمرت مراكز أو مستودعات عسكرية، تابعة للنظام السابق، أو "النظام المخلوع".
الآن سلطة أخرى في سوريا لم تعلن يوماً، عداءها لإسرائيل، لنزداد قناعة بأن ذلك السيناريو الغامض يتوخى تحويل سوريا التي تحتضن خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، إلى دولة منزوعة السلاح.
ما يسري على سوريا يفترض أن يسري على لبنان الذي ينبغي أن يحافظ على الشعار القديم الذي أطلقه الشيخ بيار الجميل "قوة لبنان في ضعفه"، ليكون الشعار الأكثر غرابة، والأكثر إثارة للاستغراب في التاريخ.
وكان القديس نيقولا دو فلو قد قال لبني قومه في القرن الخامس عشر "إذا كنتم تريدون أن تبقوا سويسريين، ابدأوا بتشييد الأسوار حول حدائقكم".
المعنى واضح تماماً، لم نبن الأسوار حول لبنان، بالرغم من أن على حدودنا الجنوبية دولة تعتبر أن بقاءها رهن بإزالة الدول الأخرى أو بتجريدها حتى من هراوات الرعاة.
في الثمانينات من القرن الفائت، أجريت مقابلة مع الخبير الاستراتيجي الفرنسي الجنرال جورج بوي (1912 ـ 1998) الذي أعرب عن ذهوله كيف أن العرب، وبالرغم مما حصل لهم، لم يدركوا ما هي إسرائيل، وكيف يخطط الإسرائيليون لتبقى دولنا، خلاف حدائقنا من دون أسوار ..
ما يمكن أن نستشفه من التعليقات الإسرائيليّة، كما الأميركية والأوروبية، أن يكون للضربات على سوريا صداها في تركيا التي يعلم العالم ما دورها في التغيير الذي حصل في سوريا، وإلى أين يمكن أن يصل داخلياً وخارجياً.
القاذفات الإسرائيليّة تجول وتصول في الأجواء السورية، لتقول لأنقرة أن القواعد العسكرية التركية ممنوعة في سوريا، ولا تقدم للجيش التركي في أي اتجاه إلا بالتنسيق مع إسرائيل التي تعتبر توراتياً، أن دمشق جزء من أمنها الاستراتيجي، وحتى الوجودي.
هذه مسألة بالغة الدقة، وبالغة الخطورة.
الرئيس رجب طيب أردوغان سبق وقال أن حكومة بنيامين نتنياهو التي ترمي إلى إقامة "إسرائيل الكبرى" إنما تلحظ اقتطاع أجزاء من الدولة التركية التي تمتلك كل الإمكانات لصد الغارات الإسرائيليّة، بعدما كانت قد ابتاعت منظومات "اس . اس ـ 400 " من روسيا التي تمنعت عن بيعها إلى الدولة الحليفة إيران، أو عن تزويدها لسوريا التي تتواجد على أرضها قواعد روسية.
هذا لنرى أي منحى سريالي تأخذه لعبة الأمم حين نبقى ندور كعرب في لعبة القبائل أو في لعبة الطوائف.
الرئيس التركي الذي تختزن بلاده 50 قنبلة نووية أميركية في قاعدة أنجرليك، يعلم ما هي العواقب الكارثية لأي صدام مع إسرائيل، لا بل أن هناك من يرى فيه رجل الصفقات الكبرى، كما رجل الفرص الكبرى الذي يعرف كيف يلعب في الزوايا، حتى في الزوايا الأميركية، وحيث النظر إلى إسرائيل ليس فقط "الوديعة الإلهية"، كما قال السناتور جون ماكين، وإنما... "الوديعة الأميركية المقدسة".
أردوغان قال، منذ أيام، وأمام إفطار للسفراء في بلاده "لن نسمح بتقسيم آخر لسوريا كما حصل منذ قرن".
من تراه يريد أو يسعى إلى تفكيك سوريا، سوى الإسرائيليين، وربما الأميركيين أيضاً.
يوماً بعد يوم، نتابع كيف تقضم دبابات الميركافا أجزاء إضافية من الجنوب السوري.
لم تقترب فقط من دمشق، بل هي تريد الحلول محل الأميركيين في قاعدة "النتف" ما يمكنها من الاستيلاء على المثلث الحدودي السوري ـ الأردني ـ العراقي مع التداعيات الاستراتيجية الكارثية لذلك على الدول الثلاث.
ذات يوم، قال لنا الإمام محمد مهدي شمس الدين أن أكبر نكبة ألمت بالأمة العربية (والإسلامية) هي سقوط السلطنة العثمانية.
هذا الكلام أثار، في حينه، ردود فعل عاصفة. ولكن هل كانت الحرب العالمية الأولى وراء سقوطها؟
السقوط التدريجي بدأ مع "المسألة الشرقية" (1823 )، ووصف السلطنة بـ"الرجل المريض"، حتى إذا ما ظهر مصطفى كمال أتاتورك (الذئب الأغبر)، وألغى السلطنة عام 1922، قال بالحرف الواحد "إنني هنا كي لا تبقى أية جراح في هذه الأرض".
قد يكون الموقع الجغرافي لتركيا هو الذي جعل منها واحدة من أكثر الدول حساسية على المستوى الاستراتيجي. جزء منها في آسيا وجزء في أوروبا.
إذ تمسك بمفاتيح البحر الأسود، تشاطئ أربعة بحار هي البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، إضافة إلى بحر إيجة وبحر مرمرة.
وبحسب الصحافي التركي البارز جنكيز شاندار، فإن ذلك يجعلها في حالة دائمة من التوجس ومن التوتر.
وإذ هي الدولة المركبة أثنياً وطائفياً، يفترض فيها إعطاء الأولوية لصيانة البنية الداخلية، دون الانغماس لا في لعبة الأمم ولا في لعبة القبائل.
لكنها الآن في أكثر من مكان، وفي سوريا التي تعنينا بقدر ما يعنينا لبنان.
بنيامين نتياهو قال بلهجة أمبراطورية "لقد وصلت إلى قمة جبل الشيخ، وغيرت الشرق الأوسط".
ضمناً "لقد وصلت إلى قمة الشرق الأوسط". أين سوريا، وأين لبنان في هذه الحال ...؟؟